حكم التداوي من المرض

وهل التطبيب يلحق بذلك؟ أعني: هل طلب العلاج من طبيب يأخذ حكم الرقية؟ لأن الرقية نوعٌ من أنواع العلاج، فهل أيضاً طلبُ العلاج والذهاب عند الأطباء يلحق بحكم الرقية؟ أي: هل يجوز لي أن أعالج غيري أو أطلب لغيري العلاج، لكن أنا في نفسي أتركه.

من العلماء من يقول: إن الأولى إذا كان الشخص يتحمل المرض ولا يؤثر عليه في حقوقه مع ربه ولا حقوقه مع الخلق، فالأولى له أن يترك، واستدلوا بحديث المرأة التي كانت تصرع، وأتت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إني أصرع فادع الله لي قال: إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولك الجنة، قالت: أصبر ولي الجنة، ولكن ادع الله أن لا أتكشف، فدعا الله لها أن لا تتكشف) .

وكذلك حديث الرجل الأعمى الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! إني رجل أعمى قد شق عليّ ذهاب بصري، فادع الله أن يرد عليّ بصري يا رسول الله؟ قال: إن شئت دعوت الله لك فشفاك، وإن شئت صبرت ولك الجنة، قال: بل ادعه يا رسول الله، فقال له الرسول: توضأ وصل، وقل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة) الحديث إلى آخره.

فمن العلماء من بنى على هذين الحديثين: أن الشخص إذا كان يتحمل المرض ولا يؤثر هذا المرض على حقوق الآخرين من البشر، ولا يعوقه على الكسب لأولاده وزوجته، ولا عن سائر تعلقاته بالبشر، ولا يؤثر على صلاته ولا صيامه؛ فتحمله أولى، هكذا ذكر عددٌ من أهل العلم رحمهم الله تعالى.

ولا تعارض حينئذٍ بين هذا التقعيد، وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله؛ فإن الله ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواء) .

وقالوا أيضاً: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما مرض وأتى الصحابة أو أهل بيته كي يلدّوه، أي: يضعوا الدواء في فمه رغماً عنه، أشار إليهم أن لا تفعلوا، فلما فعلوا رغماً عنه بعد أن عوفي قال: (لا يبقين أحدٌ في البيت إلا لدّ وأنا أنظر؛ إلا العباس فإنه لم يشهده) .

وهذا تحرير المسألة فيما علمت، والله أعلم.

ثم إن رمي الأحمال دائماً على الأطباء، والاعتقاد أنهم هم الذين يشفون؛ يورث الشخص قلةً في التوكل على الله، فكلما أصابك صداعٌ أو شيء ذهبت إلى الطبيب مباشرةً، هذا يفقدك الثقة بالله، ويريك دائماً التطلع على أن الشفاء من عند الأطباء، والله أعلم.

هذا قول، وهناك قول آخر لكن الأدلة عليه ضعيفة: وهو أن الملائكة تتأذى من الصعود مع هذا الكافر، إلى أن يكلف ملك الموت ملكاً، فمن نتن ريحه ومن قذارته يتمنع الكل إلى أن يقول: اصعد معه يا فلان.

وهذا قول لبعض المفسرين، لكن الأدلة الواردة عن رسول الله معناها يرفضه، والله تعالى أعلم.

{وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة:27] ، أي: أيقن هذا الميت أنه الفراق، ولكنه في الحقيقة فراقٌ للأهل، لا لقاء بعده أبداً مع هذا الكافر إذا كان أهله مؤمنين، فلا يلتقيان أبداً إلا لقاءً يسمع فيه التوبيخ والتأنيب: {قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر:50] ، إلى غير ذلك من أوجه التأنيب والتعيير والتوبيخ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015