قال الله: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل:6] ، ما معنى الناشئة؟ من العلماء من قال: ناشئة الليل: هي ساعات الليل التي تبدأ من بعد العشاء إلى الفجر، منذ أن ينشأ الليل، يعني: منذ أن يبدأ الليل، (إن ناشئة الليل) أي: ساعات الليل {أَشَدُّ وَطْئًا} [المزمل:6] ، أي: من ساعات النهار، وسيأتي تفسير الوقت، ومن العلماء من قال: الناشئة معناها: القيام، مثل قولهم: أنشأ فلان يقول، يعني: قام فلان يقول.
فمن العلماء من قال: نشأ بمعنى: قام بالحبشية، ومنهم من قال: إن الناشئة هي: ساعات الليل التي تبدأ من بعد صلاة العشاء وتنتهي إلى الفجر، يعني: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً) أي: القيام في ساعات الليل، (أشد وطئاً) كما سيأتي بيانه، فهما قولان في ناشئة: أحدهما: نشأ بمعنى: قام، والثاني: ناشئة: ساعات الليل.
وقوله: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً) الوطء: له معان، فمن معانيه: الشدة والثقل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم! اشدد وطأتك على مضر، اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) ، والقول الآخر في الوطء: من المواطأة وهي: الموافقة، تواطأ فلان وفلان، أي: توافق فلان وفلان على فعل شيء معين، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت) ، يعني: قد اتفقت على أنها في العشر الأواخر، فمن العلماء من قال: إذا تواطأت فهي حق، وقد تواطأت رؤيا الأذان، أي: رآها عمر ورآها عبد الله بن زيد فرآها أكثر من واحد، فتواطأت أي: اتفقت، فقوله على هذا التأويل: إن ناشئة الليل -أي: إن قيام الليل- أشد وطئاً، أي: أشد موافقة للفهم والتدبر من ساعات النهار، يعني: إن ساعات الليل أقرب لفهم كتاب الله وأوفق في الأفهام من ساعات النهار؛ لما يعتري ساعات النهار من التشويش والضوضاء وغير ذلك.
فالمعنى: إن ساعات الليل أشد موافقة لتفهم القرآن وتدبر معانيه والوقوف عند آياته من ساعات النهار، و {وَأَقْوَمُ} [المزمل:6] أي: وأحسن تلاوة، كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] ، أي: للتي هي أحسن، والمعنى: أن تلاوة الليل تختلف عن تلاوة النهار.