تفسير قوله تعالى: (يهدي إلى الرشد فآمنا به)

قال الله سبحانه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن:1-2] أعلنا إيماننا بهذا القرآن؛ لهدايته إلى الرشد، فحق إنه يهدي إلى الرشد، كما قال الله تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] في كل شيء، يكفي أن هذا القرآن يأمرك بصلة الأرحام، ويحفظ لك مالك، فيمنع الناس من سرقة أموالك، ويحفظ لك عرضك، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه، ويحرم على الناس أن ينظروا إلى زوجتك، أو أن يؤذوك، أو يؤذوا بناتك، أو يختلسوا أموالك، أو يغتابوك، فيحفظ لك نفسك، وعرضك، ومالك، وعقلك، فحرم الخمر من أجل حفظ العقل، كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:91] ، القرآن يحفظ لك كل شيء، فهو يهدي للتي هي أقوم حقاً، فمن ثَم آمنت به الجن مباشرةً، وفي الحديث: (جاء الأعرابي إلى رسول الله، فقال: يا محمد! من أنت؟ قال: أنا نبي، قال: وما نبي؟ -هو أعرابي، يسأل ما معنى نبي؟ - قال: أرسلني الله، قال: بم أرسلك؟ قال: أرسلني لكسر الأوثان، وصلة الأرحام، وذكر له الرسول بعض الأمور التي جاء بها، فرأى الرجل هذا ديناً طيباً، فقال: آمنت بما جئت به، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) ، فالجن قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن:1-2] و (لَنْ) تفيد التأبيد، ولها ضوابط تأتي في محلها إن شاء الله.

{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا} [الجن:3] ما معنى جد ربنا؟ من العلماء من قال: الجد هنا: العظمة.

أي: أنه تعالت عظمة ربنا عن أن يكون له شريك، ومن العلماء من قال: إن المعنى: وأنه تعالى ربنا عن اتخاذ الشريك والولد.

(وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) تعالت عظمة ربنا، وتعالى جلال ربنا أن يكون له ولد، وعن أن يكون له شريك، وعن أن يكون له صاحبة.

هؤلاء الجن فارقوا طوائف أهل الشرك فقالوا: (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) وأيضاً: نفوا الولد والزوجة عن الله سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015