سورة الجن سورة مكية، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة.
قال الله سبحانه وتعالى فيها: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن:1] .
(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(قل) يا محمد لأصحابك (أوحي إلي) بشيء ألا وهو (أنه استمع نفر من الجن) استمعوا لقراءتي وأنا أقرأ، (فَقَالُوا) أي: لبعضهم (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) ، وهل علم الرسول صلى الله عليه وسلم بتواجدهم أثناء قراءته أم لم يعلم؟ روي عن عبد الله بن عباس أنه نفى أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم وهو يقرأ عليهم، إنما نزلت الآية الكريمة فأخبرت رسول الله أنهم استمعوا، أما ابن مسعود فرأى أن النبي كان يعلم أن الجن يستمعون إليه وقال: (آذنته بهم نخلة) أي: أعلمته نخلة بأن الجن يستمعون لقراءته، وفي رواية: (آذنته بهم شجرة) أي: شجرة أخبرت رسول الله أن هنا جناً يستمعون إلى قراءتك يا محمد! وجمع فريق من العلماء بين الأثرين: أثر عبد الله بن عباس وأثر عبد الله بن مسعود، بأن قالوا: هذا يحمل على التعدد، فيحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ مرة القرآن واستمعت إليه الجن وهو لا يدري، ثم بعد مدة قرأ الرسول القرآن على الجن وهو يعلم أنهم يستمعون إليه، وهذا وجه جيد، وقد قال عبد الله بن مسعود: (خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فافتقدناه ذات ليلة، فبتنا بشر ليلة، فقلنا: اغتيل، استطير، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرنا بقراءته على الجن، وأرانا آثارهم وآثار نيرانهم) ، وهذا الجمع جمع حسن، فيقال: إن كل صحابي تكلم بالذي بلغه.
وقد ثبت ما حاصله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث كثرت الشهب في السماء، وكانت الجن تتسمع وتتنصت على الملأ الأعلى، فلما رأت هذه الشهب المتكاثرة التي تأتيها من كل فج وتحرقها، قالت: ما نرى أنه قد حيل بيننا وبين خبر السماء إلا لشيء قد حدث في الأرض، فقالوا: اضربوا مشارق الأرض ومغاربها للبحث عن هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فاتجهت كل طائفة من الجن اتجاهاً تبحث عن السبب الذي من أجله حيل بين الجن وبين خبر السماء، وسلطت عليهم الشهب، فاتجهت طائفة منهم إلى ناحية تهامة، فاستمعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، وأنصتوا إليه، فلما استمعوه قالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، كما قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:29-31] وهذا ثابت بلا شك ولا يمنع أن يكون بعد ذلك ترددت الجن على رسول الله، وطلبت منه أن يقرأ القرآن عليها إذ هو عليه الصلاة والسلام مبعوث للثقلين للإنس والجن، قال الله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1] .
قال الله سبحانه: (قُلْ أُوحِيَ) قل لأصحابك يا محمد! (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) والجن -كما تعلمون- قال الله فيهم: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] ولفتة سريعة في شأن الجن استفيدت من بعض الكتب: هناك علم كان يبث في صفحات الجرائد فيما يتعلق بالشيء الذي أسموه الأطباق الطائرة، وكانت تفرد له صفحات كاملة من الجرائد، وذكروا أن شخصاً على شاطئ المحيط الأطلنطي قال: إنني قد رأيت أناساً طوال الأجسام صفتهم كذا وكذا، ومعهم كذا وكذا، ثم انطلقوا، وخصصت الولايات المتحدة الأمريكية أربعين مليون دولار لمسألة الأطباق الطائرة، وملاحقة الأطباق الطائرة، وكانوا يرسلون طائرات في غاية السرعة وراء هذه الأجسام ولا يجدون شيئاً، وبعضهم يفتري ويقول: هم خلق آخر يعيشون في كواكب أخر، وأهل الكواكب الأخر أرسلوا إلى الأرض من يستكشف أهل الأرض، وينظر كيف حال أهل الأرض، ويتجسس على أهل الأرض، كل ذلك قيل ونشر وأفردت له كتب، وصنفت فيه تصانيف، وفي الحقيقة أن تأويلات أهل السنة لمثل هذا أنهم جن يتشكلون، ويرهق هذا أهل الكفر كما أرهق المشركين قول رسول الله عليه الصلاة والسلام، لأنهم لا يؤمنون بالجن ولا بشيء من هذا، وكل شيء عندهم مبني على التأويل المادي المحسوس، وليس من وراء أفعالهم إلا الكفران كما هو واضح.