قال تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج:1] من هو السائل الذي سأل؟ صح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن السائل هو الحارث بن النضر) .
ومن العلماء من قال: إن السائل هو أبو جهل.
وللعلماء ثلاثة أقوال في تفسير قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج:1] : فمن العلماء من قال: سأل متى هذا العذاب؟ أي: سأل عن وقت هذا العذاب؟ وقوله: (بِعَذَابٍ) قيل: إن الباء بمعنى: عن، كما قال الشاعر: إن تسألوني بالنساء فإنني خبير بأدواء النساء طبيب فقوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ} [المعارج:1] أي: سأل سائل عن عذاب، وكما قال تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59] أي: اسأل عنه خبيراً.
فمن أهل العلم من قال: إن المعنى سَأَلَ سَائِلٌ مستعجلاً هذا العذاب، كما قال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] .
فهذا هو الوجه الأول: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ} [المعارج:1] أي: سأل سائل عن العذاب متى هو؟ على سبيل الاستنكار.
والوجه الثاني: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ} [المعارج:1] أي: دعا داعٍ بنزول العذاب، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32] ، والسؤال أحياناً يطلق على الدعاء.
من السيلان، سائل: وهو صديد أهل النار، وهذا يوم القيامة، لكن هذا القول استضعفه أكثر المفسرين، وهو منقول عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، الذي يقال فيه في أكثر الأحيان: قال ابن زيد كذا، وهو مفسر مشهور غاية في الشهرة، فإذا فسر آية فتفسيره له وجه، لكنه عند المحدثين ضعيف في الحديث، وهو الذي يذكره العلماء دائماً إذا ذكروا الضعفاء في الحديث قالوا: اذهب إلى عبد الرحمن يحدثك عن سفينة نوح؛ لأنه روى حديثاً في شأن سفينة نوح أنها طافت بالبيت سبعاً، وصلت خلف المقام ركعتين، وهذا من الأحاديث المكذوبة على رسول الله عليه الصلاة والسلام.
الشاهد أن الوجه الأخير منبوذ وضعيف في هذا الباب.
فالوجهان المشهوران في قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج:1] : الوجه الأول: (سَأَلَ سَائِلٌ) مستعجلاً هذا العذاب، كما قال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] .
والوجه الثاني: (سَأَلَ سَائِلٌ) أي: دعا داعٍ بالعذاب، كما قال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:16] ، وكما قال: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32] .
فقوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ} [المعارج:1] أي: عن العذاب، أو دعا داعٍ بالعذاب، والله وصف هذا العذاب بأنه (وَاقِعٍ) لا محالة، أي: والعذاب واقع، فكل آت فهو قريب.
قال تعالى: {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} [المعارج:2] أي: أنه واقع للكافرين ليس له دافع.
وهل يستفاد منه أنه في غير الكافرين له دافع؟ أي: لا يستطيع أحد أن يدفع هذا العذاب عن الكافرين، ولن يدفع أحد هذا العذاب عن الكافرين، لكن غير الكافرين هل هناك من يدفع هذا العذاب المسلمين؟ نعم بإذن الله، فإن هناك شفاعات من رسول الله ومن سائر المرسلين، بل ومن المؤمنين والشهداء والعلماء والآباء والأبناء والأمهات والقرآن والصيام كلها شفاعات تدفع العذاب عن أهل الإيمان بإذن الله.
أما الكافرون فكما قال تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18] ، إذاً الربط: {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} [المعارج:2] لكنه مع المسلمين قد يكون له دافع بإذن الله تعالى.
فقوله: {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} [المعارج:2] أي: صارف.