تفسير قوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه بشماله.)

قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:25] ، وفي الآية الأخرى: {وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق:10] ، والجمع ممكن بأن يقال: يؤتاه بالشمال من وراء الظهر، يعني: يأخذ الكتاب باليد اليسرى من وراء الظهر -عياذاً بالله- فهو منظرٌ مخز مزر حينما يتناول الكتاب بالشمال من وراء الظهر، وفي الحقيقة أن هذا موقف من المواقف الحرجة أيما حرج في الآخرة، ومن مواقف الآخرة؛ الوقوف على الصراط وقت المرور عليه، وعند وزن الأعمال، وعند أخذ الكتاب، فكلها مواقف يحل بالعبد فيها من البلاء والكرب ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

قال الله جل ذكره في كتابه الكريم: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ} ، متحسراً متأسفاً متندماً ولات مندم، {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25-27] ، يا ليت الموتة الأولى التي متها كانت هي النهاية: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] ، هكذا يقول، كما قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:42] ، وتخيل في الحياة الدنيا شاباً في الثانوية، يظن أنه ذاكر جيداً وأجاب صواباً، وذهب ليأخذ النتيجة فوجد نفسه قد رسب رسوباً مخزياً، فيأتي وعلى وجهه الخزي والعار، فما بالك بالخسران المبين الذي لا يستدرك والعياذ بالله تعالى، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:25-28] ، لا مال، ولا ولد، ولا منصب، ولا جاه، ولا رئاسة، ولا وزارة، ولا غير ذلك: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28-29] ، ذهب منصبي وجاهي، ذهبت عني الرياسات واضمحلت.

ومن أهل العلم من قال: إن المراد بالسلطان هنا: (الحجة) أي: ذهبت حجتي، فلا أستطيع أن أدلي بأي حجة، ولا أن أدلي بأي اعتذار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015