قوله تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] ، أما الهماز فهو الذي يهمز الناس، أي: هو الذي يعيب الناس بأقواله كما يعيب الناس بأفعاله.
والعيب بالقول فمعلوم، أما العيب بالفعل فهو أن يتهكم بفعله كأن يمشي شخص وهو يعرج، فيأتي ساخر يمشي ويعرج خلفه ويحاكي مشيته كي يضحك الناس منه، أو شخص في لسانه شيء، فيتعمد ليَّ لسانه سخرية من أخيه.
فالهمز قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل، وقد يأتي بمعنىً أوسع، فإذا جاء مقترناً باللمز، كما في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] ، فالهمز بالقول واللمز بالفعل، ومن العلماء من عكس، لكن إذا جاء مستقلاً غير مصحوب باللمز فقد دخل فيه أيضاً معنى اللمز.
(مَشَّاءٍ) من المشي، (بِنَمِيمٍ) ، يمشي بين الناس بالنميمة للإفساد بينهم، وينقل الحديث من شخص إلى شخص آخر على سبيل الوشاية والإفساد بينهما، والمشي بالنميمة من الكبائر على رأي جمهور العلماء؛ وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم لما مرّ بالقبرين (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) ثم قال: (بلى -أي: لا يعذبان في كبيرٍ في أنظاركم، ولكنه كبير عند الله- أما أحدهما فكان يمشي بين الناس بالنميمة) ومن الأدلة على كون النميمة من الكبائر أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم إضافة إلى هذه الآية الكريمة {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] حدت هذه الأدلة ببعض أهل العلم إلى أن يحكموا على النمام بأنه مرتكب لكبيرة.
ومن العلماء من فصل في الذي ينُمُّ كمسألة الاغتياب، فهل الاغتياب كبيرة أو أن الاغتياب صغيرة من الصغائر؟ من العلماء من قال: إن الغيبة من الكبائر، ومنهم من قال: إنها من الصغائر، ومنهم من فصل.
فمنهم من فصل بناء على حجم المغتاب، وقدر المغتاب، ومنهم من فصل بناء على الشيء المنقول، فمثلاً: إذا كنت تغتاب رجلاً من أهل الصلاح، ليس كما لو كنت تغتاب الفسّاق، فإذا اغتبت رجلاً صالحا الحكم يختلف عما إذا اغتبت رجلا فاجراً، والأدلة تشهد لذلك كحديث: (بئس أخو العشيرة) الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام.
إذا كنت تغتاب شخصاً كريماً لا كمن يغتاب شخصاً بخيلاً.
إذا كنت تغتاب على سبيل الشكوى ليس كمن يغتاب على سبيل الحاجة، فإن هنداً قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إذا كنت تغتاب الجاهل، فلست كمن يغتاب العالم، فإن النبي قال كما في البخاري: (ما أظن أن فلاناً وفلاناً يعرفان عن ديننا شيئاً) .
فكذلك الحكم في النميمة؛ يختلف من منقول إلى منقول آخر، ومن شخص إلى شخص آخر، ومن ثَم يقرر الحكم هل هي من الكبائر أو هي من الصغائر؟ هذا تفصيل جنح إليه عدد كبير من أهل العلم والله أعلم.
{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] (مشاء) : أي: ماشٍ (بنميم) أي بالنميمة، فـ (لا يدخل الجنة نمام) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا في النميمة التي تفسد بين الأحبة، وتقطع المودة بين الأرحام، وأيضاً تسبب ضرراً للمسلمين، وتسبب عذاباً على مسلم وأذى لبعض أهل الإيمان.