وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] الدار هي دار الهجرة، وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى (تَبَوَّءُوا الدَّارَ) أي: سكنوها، وهم الأنصار، فقد كانوا سكان المدينة قبل قدوم المهاجرين إليهم، فعمَّروا المدينة بالإيمان، وفتحوا بيوتهم لتلاوة القرآن، وأقاموا فيها الصلاة.
وقد ذهب جمهور العلماء رحمه الله تعالى إلى أن المهاجرين على الإجمال أفضل من الأنصار، وفي كلٍ خيرٌ، وذلك بدلالة تقديمهم في عموم الآيات على الأنصار، ومنها في هذه السورة، ولكن ذلك لا يمنع أن يكون هناك أنصاري أفضل من مهاجري بخصوصه، فلا يخدش هذا في التقعيد، كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم) ، فهذا على وجه الإجمال؛ إذ لا يُمتنع أن يأتي زمان خير من الزمان الذي قبله، كما كان الزمان الذي عقِب موت الحجاج بن يوسف الثقفي أفضل من زمن الحجاج، وكما هو معلوم أن زمان المهدي خير من الزمان الذي قبل المهدي، وكذلك الزمان الذي فيه رسول الله خيرٌ من الزمان الذي لم يكن فيه الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقوله تعالى: (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا) ، هذه هي حال الأنصار، قلوبهم مملوءة بالحب للمهاجرين، ولا يحملون في صدورهم شيئاً على إخوانهم المهاجرين لكونهم فضِّلوا عليهم ببعض الفضائل.