قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] {فَسَبِّحْ} أي: نزه {بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} : من العلماء من قال: إن (الباء) هنا زائدة، والمراد: سبح اسم ربك العظيم، أي: نزه اسم ربك العظيم عن كل ما يلحد به الملحدون في أسمائه سبحانه وتعالى، ونزه اسم ربك عن كل نقص وعن كل عيب، فلا تفعل كما يفعل أهل الشرك إذ يشتقون من اسم الله اللات ويطلقونها على صنم، أو يشتقون من اسم العزيز العزى ويطلقونها على صنم آخر، فقوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] من أهل العلم من قال: معناها سبح اسم ربك العظيم، وقد ورد نحو هذا في قول الشاعر: تمنَ ابنتاي ألا يموت أبوهما وهل أنا إلا من ربيع أو مضر فقوما وقولا بالذي قد علمتما ولا تخمشا وجهاً ولا تحلقا شعر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبكِ حولاً كاملاً فقد اعتبر وقد قدمنا ما في ذلك، قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (اجعلوها في ركوعكم) ، وكذلك لما نزل عليه {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] قال عليه الصلاة والسلام: (اجعلوها في سجودكم) .
وهل قوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في ركوعكم) يفيد الوجوب؟ كثير من أهل العلم يرون أن ذلك للاستحباب لتنوع الأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع، والسجود، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) وثبت أنه كان يقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) ، وثبت أنه كان يقول: (اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي) ، إلى غير ذلك من الأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع، فلتنوع هذه الأذكار ذهب كثير من العلماء إلى أن {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] قولها ليس بواجب، ومن تركها فصلاته صحيحة، وإن لم يقل شيئاً أصلاً فالصلاة كذلك صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم المسيء في صلاته فقال: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) ، ثم جاء إلى الركوع فقال: (اركع حتى تطمئن راكعاً) ، ولم يوجب عليه في هذا الركوع شيئاً، وقد قال كثير من أهل العلم: إن حديث المسيء صلاته قد جمع أركان الصلاة، هذا والله سبحانه وتعالى أعلم.
أما من استبدلها، فمثلاً: استبدل (سبح اسم ربك العظيم) بسبحان ربي الأعلى، فقال: (سبحان ربي الأعلى) في الركوع، وقال: (سبحان ربي العظيم) في السجود، فهل يلزمه سجود سهو أو لا يلزمه؟ ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يلزمه أن يسجد للسهو، وذلك لأن (سبح اسم ربي الأعلى) في الركوع داخلة أيضاً في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما الركوع فعظموا فيه الرب) ، وكذلك قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول له: اذكر كذا اذكر كذا، يذكره ما لم يكن يذكر، حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحد فليسجد سجدتين -وفي بعض الروايات- قبل أن يسلم -وبعضها- بعد التسليم) .
فالشاهد في: (حتى لا يدري كم صلى) فهي في الأركان، والله سبحانه وتعالى أعلم، ثم إن الخلاف في هذه المسألة وارد أيضاً.