قال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} [الواقعة:51-52] ، والضالون هنا ليس المراد بهم النصارى الضالون فحسب، بل المراد عموم من ابتعد عن كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكفر بالله، فدخل في ذلك أهل الشرك وأهل الإلحاد واليهود والنصارى {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} [الواقعة:51] أي: المكذبون بالبعث {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} [الواقعة:52] ، والزقوم وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:43-46] وقال تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء:60] فسرها بعض العلماء بشجرة الزقوم، وهي شجر وليست شجرة، كما قال الله: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} [الواقعة:52] ، وقال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الصافات:66] ، وقال الله في صفة هذه الشجرة: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:64] ، وقد جعلها الله فتنة للظالمين، حيث قال أهل الظلم: كيف تنبت الأشجار في وسط النيران؟! وخفي عليهم أن الله على كل شيء قدير، وقوله تعالى: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:65] هذا تصوير لها وإن لم نرَ نحن رءوس الشياطين لكننا جميعاً نتصور أن رءوس الشياطين شيء مزعج ومخيف ومرهب، فوصفت برءوس الشياطين مع كوننا لا نعرف كيف رءوسهم، ولكنه تصوير لما انقدح في الذهن واستقر في القلب من أن الشياطين ورءوسها أشياء مخيفة.
قال الله سبحانه وتعالى: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:52-55] والحميم هو الماء الذي يغلي.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الواقعة:51-53] كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية:6] ؟ فآية الغاشية {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية:6] وهنا يقول الله سبحانه وتعالى: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} [الواقعة:52] فكيف الجمع؟ بعض أهل العلم يقول: فريق من أهل النار طعامهم الضريع وليس لهم إلا هذا الضريع، وفريق آخر من أهل النار طعامهم شجر الزقوم، فهم أصناف، وكل صنف اختص بأكلة معينة على حسب جرائمه التي اقترفها، أو يحمل على أنهم في سنين ما يأكلون إلا الطعام من ضريع، وليس لهم إلا هو، وفي سنين أخر يأكلون من شجر الزقوم وليس لهم طعام إلا هو، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله تعالى: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:54-55] ، الهيم من الإبل: شديدة العطش التي تشرب ولا تكاد تروى.
{هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:56] أي: هذه مكرمتهم التي يكرموا بها!