الإيمان مركب من القول ومن العمل، وله معنيان: الأول: تصديق خبر الله تبارك وتعالى وإخبار رسوله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: الالتزام بالأوامر التي أمر الله بها هؤلاء المصدقين.
هل يجوز أن نحكم بالإيمان لمن صدق بقلبه فقط ولم يلتزم بالعمل؟ بمعنى آخر: هل يكون مؤمناً من شهد أن لا إله إلا الله بقلبه ولكنه لم يعمل ما أمره الله به، ولم ينته عما نهاه الله تعالى عنه؟ الجواب عن ذلك يذكره فضيلة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في كتابه (الحد الفاصل بين الإيمان والكفر) يقول في الصفحة الخامسة عشرة: إن الفصل بين عقيدة القلب، أي: تصديقه، وبين الإذعان أي: الانقياد العملي، والتسليم لأمر الله، وفعل ما يطلبه سبحانه من المؤمنين، فصل لتقريب هذه الدراسة من الفهم، وليس له في الواقع حدوث ولا ظل.
يعني: مسألة تقسيم الإيمان إلى قول وعمل، هذا في حد ذاته ليس هو أمر حقيقي، لكنه مجرد تسهيل وتبسيط لهذه الدراسة حتى نعرف مركبات الإيمان، لكن لا يعني ذلك أن الإيمان ينفصل وينفك عن العمل.
فإنه لا يتصور عقلاً وجود إنسان ما يسمع كلام الله، يقول الله عز وجل له: أي عبدي! إن هناك يوم قيامة، فيه سأحاسبك على أعمالك، فإن أحسنت أدخلتك الجنة، وإن أسأت أدخلتك النار، ثم يقول رداً على ذلك: أي رب! إني أصدق كلامك، وأؤمن بما تقول، ولكني أعتذر عن العمل بأوامرك؛ لأنني كسول، هل هذا يليق؟ يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: لا يعقل إيمان رجل يعلم وجوب الصلاة، ويسمع نداء الله تبارك وتعالى كل يوم وليلة من حياته يناديه: حي على الصلاة، وهو لا يستجيب لهذا النداء مرة واحدة في حياته.
ويقول الشيخ: ولقد كنت أضرب مثلاً لإخواني على هذه الحقيقة فأقول لهم: أرأيتم لو أن قائلاً قال لنا ونحن جلوس الآن: إن هذا المكان تحيط به النار، وإن لم تفروا الآن لحقت بكم وأهلكتكم، أيبقى منا أحد يصدق هذا الخبر إلا بادر بالخروج والهرب، أو يعقل أن ترى بيننا إنساناً يقول لذلك النذير: لقد سمعنا مقالتك وفهمنا تحذيرك، ولكنني أعتذر عن القيام من مكاني لأني كسلان.
إذا وجد شخص بهذا الطراز، فإنما هو مجنون أو مكذب بالخبر، ويستحيل أن يوجد عاقل يصدق هذا الخبر ويرد هذا الرد.
فإيمان القلب وامتثال الجوارح بالإذعان والمسارعة إلى فعل المأمور به، هما في الحقيقة قضية واحدة لا انفصال بينها، فإذا وجد الإيمان في القلب فإن صاحب هذا الإيمان سوف يبادر فوراً إلى العمل والامتثال.
هذا الدليل دليل عقلي، لا يماري فيه إلا مقلد أعماه التقليد، أو جاحد جاهل.
أما من حيث النقل فالأدلة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يفهم من بعضها للنظر البادئ أن إيمان القلب وتصديقه يؤهل لدخول الجنة بعد عذاب في النار لا يعلم أمده إلا الله عز وجل، وأنه لا يخلد في النار خلوداً أبدياً كخلود الكفار المكذبين.
المقصود إثبات أن تارك العمل مستحق للدخول في النار، وهو من جملة المعاقبين قطعاً؛ وهذه المسألة تمهيد لدراسة المسألة الثالثة من المسائل الستة، وهي: أن فاسق أهل القبلة مؤمن ناقص الإيمان، فربما تهاون بعض الناس في المعاصي، وظنوا أنهم بالتوحيد سوف ينجون، ويزين له الشيطان أنه سوف يدخل النار قليلاً ثم بعد ذلك يخرج مادام على التوحيد، ولا يدري المسكين أن المعاصي هي البريد الذي يقود إلى الكفر؛ فمن تساهل في الصغائر يترقى حتى يقع في الكبائر، ثم ربما هان الأمر على قلبه حتى مات، ثم ربما يستدرجه الشيطان إلى أن يوقعه في الكفر والعياذ بالله.
فالمعاصي وسيلة المواصلات التي توصل صاحبها إذا أصر عليها إلى الكفر.
هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: أنه لا يوجد إنسان عاقل أبداً يقدم على معصية الله تبارك وتعالى ويتعرض لعقابه بهذه الحجج الواهية.
فالمقصود هنا في هذا البحث: أن الشخص الذي يترك العمل يستحق دخول النار، وهو من جملة المعاقبين، أما قضية الخلود في النار، وأن الخلود أساساً هو للكافرين الذين لم يوحدوا الله تبارك وتعالى، فهذه قضية أخرى.