تكلم الدكتور إبراهيم الكيلاني -أيضاً- في هذه الندوة، وقال: إني أحب أن أبين نقطتين في منهج سيد قطب رحمه الله: الأولى: أنه في طريقته لشرح نظام الإسلام وعرضه له كان متأثراً تأثراً كبيراً بالأستاذ أبي الأعلى المودودي رحمه الله، وهذه ناحية ذكرها سيد، وتظهر لنا في كتاباته، وهي محاولته عرض الإسلام عرضاً كاملاً، لا عرضه من خلال ردود الفعل من القضايا الجزئية فقط.
النقطة الثانية: أنه لم يكن واقفاً في كتاباته وفي ظلال القرآن الذي أنهى وختم به حياته الجليلة لم يكن واقفاً عند قضايا العقيدة فقط، وإنما شرح نظام الإسلام، وشرح آيات الأحكام، كما شرح آيات العقيدة وآيات الأخلاق، وكتابه (في ظلال القرآن) وتفسيره الكامل للقرآن الكريم شاهد على ذلك، فـ السيد قطب في تفسيره للقرآن الكريم شرح النظام الإسلامي كاملاً، وكان في القضايا الفقهية منضبطاً، وحدثني الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى أن سيد قطب كان يرسل إليه ملازم في ظلال القرآن ليزداد اطمئناناً على الأحكام الفقهية التي يطرحها في الظلال، وهذا من ورعه وشدة تمسكه بمنهج العلماء، وبالحكم الفقهي في عرض هذه الأمور، وإنما الذي أريد أن أبينه للإخوة الكرام أننا يجب أن نفهم كلام سيد قطب من خلال منهجه، لا أن نفهمه من خلال كلمات مبعثرة هنا وهناك، فـ سيد قطب رجل دعوة يسعى لإقامة حكم الله في الأرض، وكان يرى كفراً بواحاً منتشراً في المجتمعات الإسلامية، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً).
فاستحلال الربا والخمر والزنا والقمار، وتعطيل شريعة الله ماذا يسميهما الفقيه المسلم الذي يقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليسا كفراً بواحاً؟! نعم، وباتفاق فقهاء الإسلام أنها كفر بواح، فعندما يقول: إن المجتمع الذي يستحل حرمات الله مجتمع جاهلي كافر إنما يعني أنه استباح حرمات الله تبارك وتعالى، ولم يقل: إن الذين في هذا المجتمع كفار.
وأنا أتمنى من الذين يخالفون هذا الكلام ممن ينتسبون إلى فكر الأستاذ سيد قطب أن يكونوا بخلاف ما يذكر الدكتور إبراهيم الكيلاني هنا.
حيث يقول: فعندما يقول إن المجتمع الذي يستحل حرمات الله مجتمع جاهلي كافر إنما يعني أنه استباح حرمات الله تبارك وتعالى، ولم يقل: إن الذين في هذا المجتمع كفار.
فهل الذين ينتسبون الآن إلى الأستاذ سيد قطب يحكمون بالإسلام على الناس في هذا المجتمع على العموم، خاصة من أظهر منهم الإسلام؟! وهل يصلون خلف الناس في المساجد؟! وهل من أظهر شيئاً من شعائر الإسلام ولم يحصل منه استيفاء وتحر وتبين للضوابط التي وضعوها يحكمون عليه قبل ذلك بالإسلام أم لا؟ يقول الدكتور الكيلاني: وقد سألت عن هذه القضية الأستاذ محمد قطب رحمه الله فقال: إن سيد قطب لم يقل: المسلم الفلاني كافر.
إلا أن يستحل هذا حرمات الله، وكذلك المجتمع كله بصفة عامة عندما تستباح فيه الحرمات ويخرج عن دين الله.
فإذا كان سيد قد اجتهد ووصفه بهذا الوصف فله دليله من القرآن الكريم.
ثم يقول أيضاً: إن سيد قطب في ظلاله لم يخالف مصدراً قطعياً، ولم يخرج عن العقائد الأصلية للمسلمين.
وقد يكون هناك مأخذ على هذا الكلام، بمعنى: كيف لو كان االمصدر ظنياً كحديث آحاد؟ يقول: إن سيداً في ظلاله لم يخالف مصدراً قطعياً، ولم يخرج عن العقائد الأصلية للمسلمين، ولم يخرج عن أصول التفسير المعتمدة عن رجال التفسير، وحينئذ فهو قد التزم بالعقائد الإسلامية، والتزم بقواعد الفقه الإسلامي، وأصول شرح القرآن الكريم، ولم يقدم فقيه من الفقهاء شرحاً لمواد الفقه والنظرية الإسلامية ولأحكام الإسلام كما شرحها سيد قطب رحمه الله، فهو لم يقلل من شأن الفقه، وقد شرح فقه القرآن الكريم، وربما أتصور أن سيد قطب نتيجة لتأثره الكبير بالأستاذ المودودي كان يرى هذا العالم الذي حدثنا عنه الأستاذ المودودي رحمه الله في أحد كتبه وفي إحدى محاضراته أنه كان قد قضى فترة طويلة من عمره وهو يحقق مسألة قياس المسافة بين المنبر النبوي وبين قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
فيقول الأستاذ المودودي: كان أولى بهذا العالم بدل أن يبذل جهده في هذه المسألة مع أنها قضية علمية قد تفيد في نواح أن يبذله في قضايا أكبر وأهم، فهو يريد من الفقهاء أن يكونوا علماء عصرهم في الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حكم الله؛ لأنه لا معنى لأن أتحدث عن أحكام الإسلام، وأن أضع قانوناً مدنياً وقانوناً جنائياً وأغوص في هذه الأمور، ثم أجد أن النظام نفسه يمشي في طريق إبادة القيم الإسلامية، والحياة الإسلامية، والقضاء على الإسلام كله، فهذه الناحية هي التي انتبه إليها سيد قطب، وكأنه يدعو العلماء إلى أن يكونوا رجال حركة ورجال فكر، وأن لا يضيعوا جهودهم في بحث المسائل النظرية والمجتمع يتخاطفه الملحدون أو الغربيون والمبشرون.
هذا تعليق الدكتور إبراهيم الكيلاني.