ذكرنا من قبل كلام بعض هؤلاء الأعلام، ونذكر أيضاً كلاماً للدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله، يناقش فيه بعض الأفكار الأساسية في قضية المنهج عند السيد قطب رحمه الله تعالى، وكان من ذلك مناقشته لقضية التكفير والجاهلية.
يقول الدكتور القرضاوي: إن المجتمع الذي نعيش فيه الآن ليس شبيهاً بمجتمع مكة الذي واجهه النبي صلى الله عليه وسلم حين نشأت الدعوة الإسلامية الأولى، فذلك كان مجتمعاً جاهلياً صرفاً، أعني: مجتمعاً وثنياً كافراً لا يؤمن بـ (لا إله إلا الله) ولا بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول عن القرآن: سحر وافتراء وأساطير الأولين.
أما مجتمعنا القائم في بلاد المسلمين فهو مجتمع خليط من الإسلام والجاهلية، فيه عناصر إسلامية أصيلة وعناصر جاهلية دخيلة، فيه أناس مرتدون صراحة، وفيه منافقون يتظاهرون أمام الشعب بالإسلام وباطنهم خراب من الإيمان، فلهم حكم المنافقين فيه عدا هؤلاء، وأولئك جماهير غفيرة تكاد تكون أكثرية الأمة الساحقة ملتزمة بالإسلام، وجل أفرادها متدينون تديناً فردياً يؤدون الشعائر المفروضة، وقد يقصرون في بعضها، وقد يرتكب بعضهم المعاصي، ولكنهم في الجملة يخافون الله تعالى، ويحبون التوبة، ويتأثرون بالموعظة، ويحترمون القرآن، ويحبون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إلى غير ذلك مما يدل على صحة أصول العقيدة لديهم، ولهذا يكون من الإسراف والمجازفة الحكم على هؤلاء جميعاً بأنهم جاهليون كأهل مكة الذين واجههم الرسول صلى الله عليه وسلم في فجر دعوة الإسلام، وإن واجبنا ألا نعرض عليهم إلا العقيدة، والعقيدة وحدها، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الحقيقي وألا نستجيب لاستفتاءاتهم في شأن من شئون المجتمع الإسلامي، فالواقع كما قلنا: إن هؤلاء غير مجتمع مكة المشرك، فكثير منهم يصلون ويصومون ويزكون ويحجون، وكثير ممن قصر في هذه الفرائض لا ينكرها، ولا يستخف بها، وهي أركان الإسلام ومبانيه، فهل كان مجتمع مكة يلتزم شيئاً من هذه الأركان؟ ثم هم يتزوجون ويطلقون، ويرثون ويورثون، ويوصون على مقتضى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يزال في بعض البلاد من يقيمون الحدود الشرعية من الجلد والقطع والقصاص ونحوها، ولا تزال القاعدة العريضة في البلاد الأخرى تطالب الحكومات بإقامتها وتطبيق شرع الله تعالى، فهل -يا ترى- إذا استفتى هؤلاء في شأن من شئون الإسلام التي يمارسونها بالفعل ألا نفتيهم ونبين لهم؟! إنهم يسألون في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بشئون العبادات، وما يسمى بالأحوال الشخصية، ومن واجبنا أن نبين لهم ولا نكتم عنهم علماً نافعا فيلجمنا الله بلجام من نار يوم القيامة، وهم يسألون -أيضاً- عما يعرض لهم في حياتهم الشخصية والاجتماعية، فهم مسوقون إلى أن يتعاملوا مع البنوك، وأن يؤمنوا على المتاجر والمعامل والممتلكات، ويسألون عن حكم الشرع في ذلك كله، هل نصم أذاننا عن هؤلاء المسلمين حتى لو سألونا عن الصلاة والزكاة والصيام، أم نجيبهم عن أحكام العبادات وما يتعلق بها ولا نجيبهم عن أحكام المعاملات؟! هذه بعض عبارات الدكتور يوسف القرضاوي في الرد على بعض أفكار الأستاذ سيد قطب رحمه الله في هذه القضية.