الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي -أيضاً- علق على قضية المنهج التي سردها الدكتور جعفر شيخ إدريس فقال: لقد كنت أوثر أن لا أتكلم، ولكن عرض ما دعاني إلى الكلام، وسأبدأ بالنقطة الثانية التي نبهني إليها كلمة أخي الدكتور إبراهيم الكيلاني، وإني لا أرى أن نحاول تبرئة الأستاذ سيد قطب من الخطأ، وأن نحاول أن نجعل مكانته التي تبوأها دون تكلف منا محاطة بهالة من العصمة.
فموضوع التفريق بين المجتمع والفرد فكرت فيه كثيراً، ومنذ أمد طويل، واتهمت نفسي بعدم الفهم؛ إذ كيف يمكن أن نقول: إن هذا المجتمع مسلم لكن أفراده غير مسلمين؟! أو أن نقول: إن هذا المجتمع مجتمع كافر، ولكن أفراده مسلمون؟ فالمجتمع في الحقيقة هو الفرد المتكرر، وإذا أسقطنا الأفراد من المجتمع فالمجتمع وعاء فارغ، وعلى ذلك فهذه الكلمة لا ينبغي أن تقال، وهذا الشعار لا ينبغي أن يرفع على جلالة قدر الرجل، فالمجتمع مسلم؛ لأن في أفراده الكثير من المسلمين.
وهذه العبارة يمكن أن يكون عليها مأخذ؛ لأنه يمكن أن يطلق وصف الكفر على المجتمع باعتبار نفس الأحكام السائدة، كالحكم -مثلاً- بالقوانين الوضعية، فهذه مسألة والكلام على آحاد الناس مسألة أخرى.
ويمكن للإنسان أن يتلذذ بفعل من أفعال الكفر، لكن لا يكون بذلك كافراً؛ لأن حكم الكفر لابد فيه من وجود شروط وانتفاء موانع أشرنا إلى بعضها من قبل، فقد يكون هناك مأخذ على هذا التعبير من الدكتور البوطي.
ثم يقول: وأكبر دليل على الخطأ الذي ينطوي عليه الشعار الواقع الذي أخرجه هذا الشعار نفسه، فانظر إلى الشباب الذين تأثروا بهذا الكلام في أي واد ساروا وفي أي متاهة ضاعوا؟! كم من شباب رأيناهم آثروا ليس العزلة كما قال المتحدثون، بل آثروا الانقطاع عن الجُمعات لا الجماعات، وعندما ناقشت كثيراً منهم قالوا: نحن في عصر جاهلي، وهذا المسجد وإمامه وخطيبه والذين فيه لا يمثلون المجتمع الإسلامي.
إذاً: هؤلاء الشباب لم يفهموا المجتمع بالشكل الذي فهمه أخي وصديقي الدكتور إبراهيم الكيلاني.
يشير إلى قوله: إن الشباب هم الذين أساءوا فهم الكلام، أما هو فلم يقل هذا الكلام رحمه الله.
يقول: وحسن الظن في الناس خير من التورط في إساءة الظن بهم، وهذا شرط أساسي في مد الجسور المتواصلة بيننا وبين الآخرين في نطاق الدعوة إلى الله عز وجل.
يقول: وهذا يذكرني بالكلمة التي قالها أخي عندما قال: إن هذا العمل كفر ولكن لم يسم العامل كافراً.
كيف هذا يا أخي؟! هل يوجد عمل من دون عامل؟! العمل عرض، ولا يستقيم العرض إلا بجوهر كما قالوا، ولذلك فنحن لا نكفر العمل حتى نكفر العامل، ويكفينا أن نقول: إن هذا خطأ يستلزم التوجيه والإرشاد.
ونحن -أيضاً- نقول: إن هذا خطأ يستلزم شيئاً من التصحيح؛ لأنه يمكن أن نطلق على الفعل بأنه كفر، لكننا نفرق بين كفر النوع وكفر العين، فنوع الفعل كفر، لكن الذي قال بالفعل لا يشترط فيه أن يكون كافراً، وأشهر مثال على ذلك: العذر بالتأويل أو بالإكراه أو بالجهل، كما سنبين -إن شاء الله- فيما بعد.