لا نستطيع أن ننكر أن الأستاذ سيد رحمه الله كانت في نشاطاته الدعوية والحركية مظاهر يمكن أن نسميها تجديدية باعتبار أنه جدد هذه المشاعر، وتوج كل هذه الحسنات بأن صمد وثبت عليها حتى دفع حياته ثمناً لها في سبيل الله إن شاء الله تعالى، لكن لا يعني هذا العصمة من الخطأ؛ فإن هذا ليس لـ أبي بكر ولا لـ عمر ولا للخلفاء الراشدين، ولا لأئمة الإسلام في كل العصور، فمن مقتضى النفس ومن مقتضى أدب العصمة أن يؤخذ من قوله ويترك، كما فعل مع أئمة الإسلام في كل العصور، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، فإذا هذه فضائله مبثوثة في كل مكان، ومحبته يدين الناس بها لله، ويتقربون إلى الله بحبه والدعاء له جزاء ما صمد أمام الطغيان، وجزاء ما قدم للدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية، لكن لا يعني هذا أن هذه المحبة تجعلنا نغفل عن بعض المزالق التي وقع فيها بصفته البشرية، وقد نبهنا عليها عدة مرات، وقد قال الشاعر: كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه فمن النبل أن تعد معايب الإنسان، ويقول الآخر: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع فلابد من أن نفصل بين الحق والرجل، فالرجل يمكن أن يكون معه الحق، ويمكن أن يكون الحق ليس معه، أما الحق فهو حق دائماً لا تتخلى عنه هذه الصفة في وقت من الأوقات، فعلى هذا الأساس شرعنا في تلخيص ندوة (الجهاد في الفكر الإسلامي المعاصر) التي عقدت بالإمارات، وكان موضوعها قضية المنهج عند الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى، وقدم البحث الأساس فيها الدكتور جعفر شيخ إدريس حفظه الله، ودارت المناقشة من كثير من أعلام الدعوة في هذا الزمان، ويكاد الجميع يتفقون على وجود مؤاخذات في موضوع المنهج عند الأستاذ سيد قطب رحمه الله، وإن اختلفت عباراتهم في التعبير عن هذا، فبعضهم يقول: إنها نصوص أسيء فهمها.
وبعضهم يقول: إن هذه النصوص كانت بسبب الطابع الأدبي الذي غلب عليه فجعله يسترسل في هذه القضايا، وبعضهم قال: السبب هو الجانب النفسي والظروف النفسية التي ألف فيها الكتاب.
إلى غير ذلك، لكن هذه الخيوط كلها تؤدي إلى شيء واحد، وهو أن هناك مؤاخذات، وعند ميزان هذه الأفكار تتضح هذه المؤاخذات.