الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا هو تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي عن صحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة: لقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن السفر إلى الخارج، ونقول هنا: بأن بعض الناس قد يحتاجون إلى السفر لعلاج لا يجده في بلدان المسلمين، أو طلب علم يحتاج إليه المسلمون ولا يُوجد عندهم، أو تجارة يضطر إليها ونحو ذلك، ولكن هذا الإنسان لا بد له من علمٍ يدفع به الشبهات إذا أوردت عليه، وعقلٍ يدفع به الشهوات إذا ثارت في وجهه واستثيرت في نفسه، وهكذا.
وأنتم تعلمون ما يحدث في الخارج من المعاصي؛ ولذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ ممن أقام بين ظهراني المشركين؛ لأن الإقامة بين ظهور الكفار لا خير فيها، وكثيراً ما يكون فيها نقص في الدين، بل هو الغالب على من سافر إلى تلك البلاد، لذلك لا يُنصح أبداً بالسفر إلى تلك البلاد إلا لحاجة.
وإذا سافر لا بد أن يكون متحصناً بحيث لا يحصل له نقص في دينه، ولو لم يكن إلا المنكرات والمناظر المحرمة التي تُشاهد في المطارات لكان كافياً، وأنت عندما تقف في الصف تنتظر دورك في المطار، وعندما تجلس في الاستراحة لو التفت يميناً أو شمالاً ماذا يحصل؟ وهذا الكلام -أيها الإخوة- ليس خاصاً ببلاد الكفار؛ فإن هناك بعضاً من مدن المسلمين فيها من الفجور ما لا يقل عن بلدان الكفار؛ ولذلك لا يجوز الذهاب إليها بالنفس والأهل؛ إذا كان الإنسان سيتعرض إلى نقص في دينه، هذا شيء عام لا يُستثنى فيه مكان دون آخر.
وأما إذا كان المكان الذي ستذهب إليه لا يحصل لك فيه أذىً في دينك أو نفسك؛ فإنه لا بأس لك أن تذهب إلى ذلك المكان، وكن مستعيناً بالله حريصاً على أداء الطاعات.
لو لم يكن في السفر إلى بلاد الكفار إلا مسألة عدم وجود جماعات ومساجد متيسرة يُصلي فيها الناس؛ لا يسمع فيها أذاناً ولا تكبيراً، ولا يذكر بالله عز وجل لكفى.
ذهب إنسان إلى بلد من بلدان الكفار، فسأل عن القبلة أناساً من المسلمين الموجودين هناك، لم يجبه أحد إلى أن قال له قائل في النهاية: لا أدري؛ ولكني أرى بعض الناس يُصلون بهذا الاتجاه، أليس هذا حاصل في تلك البلاد؟!!