وكذلك ينبغي أن يكون المتكلم بعيداً عن الثرثرة والتشدق وتكلف الفصاحة، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن جابر: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون.
قالوا: يا رسول الله! ما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح -أيضاً-: (سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام، فأولئك شرار أمتي) وقال -أيضاً- في الحديث الصحيح: (سيكون قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر من الأرض)، وجاء وصفهم -أيضاً- بهذه الصفة القبيحة في الحديث الصحيح الآخر: (إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) الباقرة: أي: البقرة، ومعنى هذا أنه يتشدق بالكلام ويفخم به لسانه ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً، وهذا فيه تنبيه على التكلف والتنطع وتكلف الفصاحة، وهو نوع من التقعر، وهو أيضاً من الثرثرة، وكناية عن التباهي والاستطالة، فالألفاظ عند هذا الرجل في المرتبة الأولى والمعاني بعد ذلك، فهو لا يحسب حساب المعنى، وهو -أيضاً- يتكلف لك ويلوي لسانه لياً كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً، فإذاً لا بد من ترك التكلف وأخذ الأمور بالطبيعة والسجية مع انتقاء الكلمات وجودة المعنى.