ثامن عشر: من آداب قضاء الحاجة: اجتناب ذكر الله في هذا الموضع، ومما يدل عليه حديث الامتناع عن رد السلام المتقدم؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم رد السلام على الرجل الذي سلم عليه فإنه يكون قد ذكر اسم الله في الخلاء، وهذا يمنع؛ لأن ذكر الله ينزه أن يكون في مواضع النجاسات وأثناء هذه الحال، فلا يذكر الله تعالى إلا بقلبه، وأما أن يذكر بلسانه فلا، وكذلك إذا عطس حمد الله في قلبه، وإذا سلم عليه أحد فلا يرد عليه السلام.
إن قال قائل: إذا ذهبت إلى الخلاء في الصحراء، فالمكان الذي سوف أقضي فيه الحاجة هو المكان الذي ستكون فيه النجاسة إلخ، إذاً لن أقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، فذكر ابن دقيق العيد رحمه الله في الإحكام: التفريق بين الموضع المعد لقضاء الحاجة وبين الموضع غير المعد لقضاء الحاجة، فقال: إذا كان الموضع معداً لقضاء الحاجة أصلاً فلا يذكر الله فيه، فهذا نهينا عن ذكر الله فيه، وأما إذا كان الموضع ليس معداً لقضاء الحاجة -كالصحراء- فأنت الآن تريد أن تقضي حاجتك، فهل يسمى المكان قبل أن تقضي فيه حاجتك مرحاضاً؟ لا.
إذاً لا بأس أن تذكر الله فيه، ثم تنزل لقضاء الحاجة، وبذلك يزول الإشكال، والله أعلم.
أما مسألة الكلام في الخلاء: فقد ذهب جمهور العلماء إلى ترك الكلام في الخلاء وعدوه من الآداب.
وأورد بعضهم حديث أبي سعيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك).
الحديث هذا رواه أبو داود، لكنه ضعيف، لكن من جهة المعنى: فإن أمور قضاء الحاجة مبنية على الستر، والكلام ينافي الستر، وكذلك أمور قضاء الحاجة أن الإنسان يقضي حاجته ثم يخرج وليس هذا مكان أحاديث، وكذلك فإن الكلام -أيضاً- ربما أدى إلى مسألة الإطالة، ثم إن هذا مكان قذر ومكان تأنف منه النفوس الطيبة، فكيف يجعل مكان حديث واستئناس ومبادلة بالكلام مع غيره؟ لكن لو احتاج كرجل طرق الباب يريد أن يتأكد هل يوجد أحد أم لا، فتنحنح الشخص الذي في داخل دورة المياه فلا بأس.
وكذلك قالوا: لو كان كلامه سينقذ أعمى من الوقوع في بئر ونحو ذلك للحاجة فلا بأس أن يتكلم في الخلاء للحاجة، أو أراد مثلاً أن يناوله شيئاً من منشفة أو غيرها وهو لا يتمكن من الخروج، أو نفذ الماء أو أي شيء من الأشياء التي لها حاجة، فإذا صار الكلام لحاجة فلا بأس أن يتكلم.