فمن هذه الآداب والأحكام: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زار أحدكم قوماً فلا يصلِّ بهم، وليصلِّ بهم رجلٌ منهم) فإذا زرت أحداً في بيته، فالأصل وجوب صلاة الجماعة، لكن قد يكون البيت بعيداً عن المسجد بعداً لا تجب فيه صلاة الجماعة، وما هو هذا البعد؟ قال العلماء: فرسخ، وقدَّروه بناءً على أنه إذا كان المؤذن يؤذن في مكانٍ مرتفع، مثل سطح المسجد، والريح ساكنة، والمؤذن صيتاً، والسامع حسن السمع، وليس هناك عوازل ولا حائل يحول دون سماع صوت المؤذن، فتكون المسافة التي يسمع فيها الأذان في هذه الحالة عادةً -كما قدرها بعض العلماء- فرسخاً، فإذا حصل هذا البعد فلا يجب حينئذٍ حضور الجماعة لبعد المسجد، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحياناً يزور أصحابه في طرف المدينة، فهم بعيدون عن المسجد لا تجب صلاة الجماعة عليهم، لكنهم كانوا يأتون ويحتسبون إذا زارهم.
فإذا حصل أنه حضر وقت الصلاة، فإن الزائر لا يؤم أصحاب الدار، ولو كان أقرأ وأعلم وأحفظ؛ لأجل حق صاحب البيت، ولأنه صاحب سلطان في بيته، فلا يتقدم عليه الزائر ولو في الإمامة، لأن الشريعة راعت حق صاحب البيت -حق المزور المضيف- مراعاةً شديدة، ومن ذلك: أنه لا يؤم في بيته، إلا إذا أذن وتنازل، وقال: صلِّ أنت يا أيها الزائر! أو يا أيها الضيف أذنت لك! فعندئدٍ يجوز له أن يتقدم فيصلي.
وقبل هذا هناك بعض الأحكام مثل: الاستئذان، والسلام، والمصافحة؛ وهذه أحكام لها مناسبات خاصة لعرضها، لأن مجال بيان آداب الاستئذان، والسلام ونحو ذلك ليس الآن فهذه أمور تحتاج إلى تفصيل، فالزيارة فيها أدب استئذان، فالناس قد يُخلون بأدب الاستئذان -وربما نمر بعد قليل بشيء من ذلك- ولا يراعون ما ورد فيها من الآيات والأحاديث.