ومن آداب التلاوة: التجويد: وقد عرَّفه العلماء بأنه: إقامة الحروف، ومعرفة الوقوف.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما وصفت قراءته جاء في الحديث عن أم سلمة أنها تنعت قراءته مفسرةً حرفاً حرفاً، فالقراءة ليست فيها أكل للحروف، ولا تغيير حرف بحرف، فتصبح الضاد دال إذا رققتها، أو تصبح السين صاد إذا فخمتها، أو تصبح التاء طاء إذا فخمتها، أو الطاء تاء إذا رققتها، فإذا صار الإنسان يغير صفات الحروف تغيرت الكلمة بالكلية، كلمة فيها طاء، لو تغيرت إلى تاء، اختلفت سين وصارت صاد اختلفت الكلمة.
ولذلك لابد من معرفة صفات الحروف والإتيان بها، والتمرين على يد متقن، حتى يقرأ القرآن ويصل إلى قراءة القرآن كما أنزل، والغاية من علم التجويد هي: إتقان قراءة القرآن بالنطق بحروفه، وهذه القراءة سنة متبعة، يأخذها الآخر عن الأول، ولذلك تجد القراء لهم أسانيد يأخذ عن شيخه عن شيخ شيخه إلخ إلى أن يصل إلى صاحب القراءة إلى زر بن حبيش أو عبد الله بن مسعود أو نافع المدني، أو نحو ذلك من أصحاب القراءات السبع مثلاً.
وفرقٌ بين التجويد الذي فيه إخراج الحروف بالطريقة الصحيحة ومعرفة الوقوف الإتيان بالإدغام والإظهار والإقلاب والإخفاء والهمس والروم والإشمام ونحو ذلك مما فيه تبيين المعنى، وليس المقصود أن يأتي بقراءةٍ فيها تنفير إذا استمع إليه الشخص وجد التكلف بعينه، كما قال السخاوي في نونيته:
لا تحسب التجويد مداً مفرطاً أو مد ما لا مد فيه لوان
أو أن تشدد بعد مدٍ همزةً أو أن تلوك الحرف كالسكرانِ
أو أن تفوه بكلمةٍ متهوعاً فيفر سامعها من الغثيانِ
للحرف ميزانٌ فلا تكُ طاغياً فيه ولا تك مخسر الميزان
إذاً: فالذين يتكلفون ويتشددون إذا نظرت إلى أحدهم عندما يتكلم وكيف يفتح فمه: إلخ، ثم يغلقه لرأيت الحركات العجيبة، وهذا ليس من الإتقان والتجويد وإنما هو تكلف وغلو، وقد نهينا عن الغلو.
والتجويد ينبغي الاعتناء به، حتى يكون القرآن جميلاً، أو حتى يخرج إلى القرآن منه جميلاً في أدائه إياه، وينبغي أن ينتبه بالذات من قضية اللحن الجلي الذي يغير المعنى، مثل: تغير الحركات، أو تغير الحروف، لو قال: (صراط الذين أنعمتُ عليهم)، بدلاً من {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] صار المنعم هو المتكلم، بينما المنعم هو الله.