وكذلك فإن من الآداب عند حضور المسجد ألا يخرج بعد الأذان إلا لعذر؛ لأن الخروج إعراض عمَّا يقتضيه الأذان، لأن في الأذان: حيّ على الصلاة، وهذا يريد أن يخرج من المسجد الذي صلَّى فيه، إن في الأذان طلباً للإقبال على الصلاة، وحضور المساجد للصلاة، وهذا الخروج ينافي ذلك، ثم لعله يكون ذريعة إلى الاشتغال عن الصلاة والتأخر عنها، ثم إن فيه تشبه بالشيطان، كيف ذلك؟ ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع صوت التأذين) الحديث رواه البخاري ومسلم.
قال ابن بطال رحمه الله: ويشبه أن يكون الزجر عن الخروج من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن لئلا يكون متشبهاً بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان، وقد قال أبو الشعثاء رحمه الله: (كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)، وهذا الحديث رواه مسلم رحمه الله وهو مرفوع حكماً، ولو كان من كلام أبي هريرة؛ لأن مثل هذا التأثيم أو إثبات المعصية لا يقوله الصحابي بمجرد الرأي، وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الترغيب، وقال الهيثمي: رواته محتج بهم في الصحيح، فإذاًَ لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر، مثل أن يكون على غير وضوء، أو أمر لا بد منه، والنبي عليه الصلاة والسلام لما أقيمت الصلاة عدَّل الصفوف، فانتظروا أن يكبر فأشار إليهم أن مكانكم، ثم دخل بيته وانتظروا قياماً حتى خرج من بيته، ورأسه يقطر ماءً وقد اغتسل، تذكر أن عليه غسل، فدخل واغتسل ورجع.
إذاً: الإمام إذا أراد أن يكبر فتذكر أنه على غير وضوء والناس ينتظرون والصلاة قد أقيمت، فالسنة أن يقول الإمام لهم: انتظروا كما أنتم مكانكم، ويذهب ويتوضأ ويأتي، فإن كان عليه غسل وبيته بعيد ويخشى أن يتضايق الناس، والناس في هذا الزمان صدورهم ليست كصدور الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الزمان، فيستخلف شخصاً ويذهب هو، ولكنه لو قال: مكانكم وذهب وتوضأ ورجع لا يحق لأحد أن يلومه إذا لم يضر بهم فلا يلومه أحد هكذا وردت السنة.
وكذلك لو أذن المؤذن في مسجد ويوجد أئمة مساجد في هذا المسجد نفترض الآن هذا الدرس مثلاً استمر وانتهى، وقام المؤذن للأذان، ويوجد معنا في المسجد أئمة مساجد، لا بد أن يذهبوا، فعند ذلك يكون خروجهم من باب العذر، ولا حرج عليهم في الخروج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة، وهو لا يريد الرجعة فهو منافق) رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
إذاً من أفعال المنافقين الخروج من المسجد، والمقصود بالنفاق: النفاق العملي وبعض المؤذنين إذا أذن خرج إلى بيته، وهذا وإن كان يريد الرجوع للإقامة لكن الأولى في حقه ألا يخرج إلا إذا دعت الحاجة، والمؤذن أولى الامتثال من غيره؛ لأنه هو الذي يدعو الناس إلى الصلاة فكيف يخرج.
ثم يفوت الأجر ولاشك وهو أجر انتظار الصلاة، لأن من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، ولذلك فإن وظيفة الجالس في المسجد هي ذكر الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:36] إذاً: قراءة القرآن، والذكر والتسبيح، والدعاء وغيرها من العبادات كلها وظيفة الجالس في المسجد.