والحديث السابق فيه إشارة إلى مسألة، وهي التسوك بسواك الغير (أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان فناولت الأصغر فقيل: كبر، فدفعته للأكبر) لذلك أخذوا منه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه، إلا أن المستحب أن يغسله ثم يستعمله، وفيه حديث عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك ثم أغسله ثم أدفعه إليه) ترجو بركة ريقه.
إذاً: من السنن غسل السواك، فكان يعطيها السواك لتغسله فتستاك به ثم تغسله ثم تناوله إياه، وهذا يدل على عظيم أدبها وكبير فطنتها؛ لأنها لم تغسله ابتداءً حتى لا يفوتها الاستشفاء أو التبرك المشروع بريقه صلى الله عليه وسلم، ثم غسلته تأدباً وامتثالاً لما أمرها به صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد غسل السواك: تليينه بعد جفافه؛ لأن السواك يتعرض للجفاف، فالغسل يفيد في تنظيفه وتليينه، وهذه سنة الغسل؛ لأن التسوك بالسواك الجاف يسبب جرح اللثة وخروج الدم.
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه: باب من تسوك بسواك غيره وساق حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم -وكان في حجر عائشة في آخر العمر عند وفاته- فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: -تقول عائشة لأخيها-: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن! فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستن به وهو مستند إلى صدري) رواه البخاري.
إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام استعمل سواك غيره بإذنه، فدل على أن استعمال سواك الغير بإذنه لا حرج فيه، لكن يغسل أولاً ثم يستعمله، أو يقص مكان الاستعمال ثم يستعمله بعد ذلك، كما بينت ذلك بقولها: (فقصمته) أي: كسرته، قال بعضهم: (قضمته) بالضاد، وهو الأكل بأطراف الأسنان، فيحمل الكسر على كسر موضع الاستياك، ولا ينافي حصول الثاني وهو القضم، فتعيين عائشة موضع الاستياك بالقطع والمضغ حتى يلين، وريق الزوجة لزوجها والزوج لزوجته حاصل، فقد كان عليه الصلاة والسلام يمص لسان عائشة رضي الله عنها.
والنبي عليه الصلاة والسلام مع كونه في هذه الحالة، في فراش الموت، والمرض الذي شغله، لكنه ما نسي السواك، وهو لم يستطع أن يتكلم فأشار، أو أنه لم يرد أن يتكلم فأشار وفهمت عائشة الإشارة؛ ودلَّ ذلك على التمسك بالسواك حتى في المرض، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام حريصاً عليه حتى في مرضه، وقد جاء عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل عبد الرحمن على النبي عليه الصلاة والسلام وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره -أي: مد نظره إلى السواك- فأبدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، فأخذت السواك -هذه عائشة عندها فطنة وانتباه وذكاء- فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استناناً قط أحسن منه -استعداداً للقاء الملأ الأعلى- فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى ثلاثاً، ثم قبض، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي) وقالت: [مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري] والسحر هو: الرئة، يقال: انتفخ سحره، أي: انتفخت رئته، ويكون ذلك من الخوف وغيره.
فإذاً: حصل ذلك الاستياك على مشارف خروج روحه عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك تهيئاً للقاء ملك الموت وملائكة الرحمة.