يلقى السيوف بوجهه، وينحره ... ويقيم هامته مقام المغفرِ
ويقول للطَّرق اصطبر لشبا القنا ... فعفرتُ ركنَ المجد إن لم يُعْفرِ
وإذا تأملّ شخصٌ ضيف مقبلٍ ... متسربلاً بسربال محلَّ أغبر
أومى إلى الكرماء هذا طارقٌ ... نحرتني الأعداء إن لم ينحر
قال عطاء بن مسلم شهد رجل عند ابن ابي ليلى، وأنا عنده، فقال اكتبوا شهادته، ثم رفع رأسه فتأملته، فإذا جبينه مصففاً على جبينه، قال: تصفف شعرك، ردوا شهادته، فقال: أصلحك الله، إن لي عذراً، قال: وما عذرك؟ قال بجبيني آثار، وأنا أواريها لقبح منظرها، فقال نعم، اكتبوا شهادته، ثم هم الرجل بالقيام فرأى في يده، وأظفاره آثار الحناء، فقال تخضب يدك بالحناء، ردوا شهادته، فقال إنّ لي عذراً، قال: وما عذرك؟ قال لي أبٌ شيخ كبير فأنا أخضبه، قال نعم اكتبوا شهادته، ثم قام الرجل لنصرفي، فرآه يجر ثوبه، فقال تجر ثوبك، فقال لي عذر، قال: وما عذرك؟ إنا ثلاثة أخوة، وفي حالنا بعض الضعف، فقطعنا هذا القميص على قدر أوسطنا نتجمل به إذا خرجنا، وأنا أصغرهم، وأقصرهم، قال نعم اكتبوا شهادته.
قال الأصمعي: خرجت حاجاً فحل محملي محمل أعرابي. فشتمته وضربته فاحتملني، فلما وصلت البيت، إذا به متعلقاً باستار الكعبة يقول: إلهي إن كنت غفرت فاغفر لمن شتمني وضربني فقلت يا أعرابي، ضربناك وشتمناك، وتدعوا لنا، قال فنظر إلي نظرة، ثم أنشأ يقول: [السريع]
لا يغضب الحرُّ على سفلة ... والحرُّ لا يغضبه النذلُ
إذا لئيم سبّني جهده ... أقول زدني فلي الفضلُ
قيل لأعرابي ممن أنت؟ فقال من قوم إن عشقوا ماتوا، قيل، ومما ذاك؟ قال في نسائنا صباحة، وفي رجالنا عفّة.
قال بعض الحكماء: أول العشق النظر، وأول الحريق الشرر، قيل لأعرابي صف النَّاس، وأوجز، فقال: الناس رجلان بخيل يجدُ، ولا يجود، وجواد يزيد، ولا يجد. فنظم المعنى محمود الوراق: [المنسرح]
والنّاس اثنان في زمانك ذا ... لو تلتمس غير هذين رمتا لم تجد
هذا بخيلٌ وعنده سعةٌ ... وذا جوادٌ بغير ذات يدِ
قال حميد بن وهب، كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان من فتيان قريش، وكان له بيت للضيافة، تغشاه الناس بغير إذن، فخلا ذلك البيت يوماً، فاضطجع فيه الفاكه وزوجته وقت القائلة.
ثم خرج الفاكه لبعض حاجته، فاقبل رجل تغشاه، فولج البيت، فلما رأى المرأة ولى هارباً، فأبصره الفاكه حين خرج، فأقبل الفاكه فضربها برجله، من الذي كان عندك؟ فقالت: ما رأيت أحداً، ولا انتبهت، حتَّى انبهتني، فقال الحقي بأهلك، وأبيك، وتكلم الناس فيها، فقال أبوها: يا بنية إن الناس قد أكثروا.
فيك القول، فأبيتي بناءك، فإن يك صادقاً، عليك دسست عليه من يقتله، فتنقطع القالة عنك، وإنّ يك كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن، فحلفت له بما كانوا يحلفون به في الجاهلية، إنه لكاذب عليها، فقال عتبة للفاكه، إنك رميت ابنتي لأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهان اليمن، فخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، وخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرجت هند ونسوة معها، فلما شارفوا البلاد.
وقالوا غداً نرد على الكاهن، تنكرت هند، وتغير وجهها، فقال أبوها إني أرى ما بك من تغير الحال، وما ذاك إلا لمكروه عندك. فهلا كان ذلك قبل أن تشهد النّاس مسيرنا، فقالت، والله يا أباه ما لهذا أثر ولكن أنتم تأتوا بشر الخطى، ويصيب، ولا آمنه أن يسمني ميسماً يكون علي وعليكم مسبته بين العرب، قال إني اختبره قبل أن ينظر في أمرك، فصفر لفرسه، حتى أدلى، ثم أخذ حبة حنطة فأدخلها في احليل الفرس، وأوكأ عليها يسير، فلما أصبحوا ودخلوا علي فأكرمهم ونحر لهم.