فقال عمر: إن عبد الله وعاصم لم تهتف بهما العواتق من خدورهن، وأبر عمر إلى البصرة إلى عتبة بن غزوان، ناد إلى من كان له حاجة إلى أمير المؤمنين، أو إلى المدينة، فليكتب، فإن بريد المسلمين خارج فكتب نصر بن حجاج: [الطويل]

لعمري لأن سيرتني وحرمتني ... ما نلت من عرضي عليك حرام

فأصبحت منفياً على غير ريبة ... وقد كان في الحسين مقام

أإن عنيت للدلفاء يوماً بمنية ... وبعض إمامي في النساء غرام

ظننت الظن الذي ليس بعده ... تقاء، فما لي في البذيء كلام

ويمنعها مما تقول صلاتها ... وحالتها في قومها وصيام

فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جب مني كاهل وسنام

فقال عمر أنا ولى السلطان، فلا، ثم بعث إلى البصرة، فأقطعه ما يقيم به، فلما استشهد عمر ركب راحلته وعاد، ويروى بعد ذلك، أن نصر بن حجاج دخل على مجاشع بن مسعود السلمي بعد وفاة عمر بمدة.

وقد شاب يعود مجاشعاً، فكتبت إليه زوجته: مجاشع على الأرض، والله إني لأحبك حباً لو كان على السماء لأظلك، أو على الأرض لأقلك، فمحاه وكتب: وأنا فنظر زوجها إلى ذلك، فكفا عليه فقرأه بعض عواده، فإذا هوة أنا، فقال لزوجته ما كتبت لنصر بن حجاج؟ كنت أقول كم حلبت ناقتكم، فقال ليس الجواب لذلك، وأنا، ولم يزل يبحث، حتى علم فطلقها، فكان رضي الله عنه كما قال الشاعر: [السريع]

تزيد الأيام إن ساعدت ... شدة علم بتصاريفها

كأنها في حال إسعافها ... تسمعه صيحة تخويفها

وكما قال الآخر: [الطويل]

بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يرى بصحيح الرأي ما في العواقب

لأنه رضي الله عنه توسم فيه فتنة النساء.

قال ابن مسعود بن بشر: قيل لابن هبيرة، وكان يباكر الغداء، أصلح الله الأمير، إن الأمراء لغدائهم وقت، وأنت تباكره، فقال: إن في ثلاث خصال: ينشف المرة، ويطي النفس، ويقل الشهوة.

وقال محمد بن سالم: غدوت على عامر الشعبي، فرأيته يتخلل، فقلت: يا أبا عمرة باكرت الغداء، فقال: نعم باكرته، قبل أن يسخن الماء، ويظهر الزمان ويأتيني ثقيل مثلك.

قال بعضهم: العقل عقلان، عقل مستفاد يستفيده الإنسان بأدبه، وتجربته، وعقل تفرد الله بصنعه، ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلا بصحة العقل المركب في الجسد، فإذا اجتمعا قوى كل واحد منهما صاحبه.

قال محمد بن جعفر بن محمد الصادق عليه وعلى آبائه السلام، تعرف محبة الرجل لأخيه بجودة أكله في بيته.

قال الفضيل بن عياض: من أوقف نفسه موقف ذل، لطلب الحلال تحاتت ذنوبه، ولو كانت بعدد القطر.

قال مروان بن أبي حفصة: كان معن بن زائدة، قد أبلى في حرب يزيد بن عمر بن هبيرة بالاختباء، فغاظ ذلك المنصور، وجد في طلب معن، وجعل لمن جاء به مالاً جزيلاً، قال مروان، فحدثني معن باليمن أنه اضطره في شدة الطلب إلى أن أمام في الشمس، حتى شحب لونه، وخف عارضه ولحيته، ولبس جبة صوف غليظ، وركب جملاً من الثمالة، وخرج ليمضي البادية.

قال معن: فلما خرجت من باب حرب، تبعني أسود متقلد بسيف، حتى إذا غبت عن الحرس، قبض على خطام الجمل، فأناخه وقبض علي، فقلت: مالك؟ فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت: ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين؟ قال: معن بن زائدة، فقلت: اتق الله، وأين أنا من معن؟ فقال: دع عنك هذا، فأنا أعرف بك من ذلك، فقلت له: وإن كانت الصفة، كما تقول، فهذا جوهر حملته معي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاء بي فخذه، ولا تسفك دمي، قال: هاته، فأخرجته ونظر فيه ساعة وقال: صدقت في قيمته ولست بقابله، حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني أطلقتك.

فقال: إن الناس قد وصفوك بالجود، فأخبرني هل وهبت مالك كله؟ قلت: لا، قال: فنصفه؟ قلت: لا، قال: فثلثه؟ قلت: لا، فلم يزل حتى العشر، فاستحيين وقلت: أظن أني قد فعلت ذلك، فقال: ما أراك فعلته، وأنا، والله رجل راجل رزقي من أبي جعفر عشرون درهماً، وهذا الجوهر قيمته ألوف من الدنانير، وقد وهبته لك، ووهبتك لنفسك، ولجودك المأثور بين الناس. لتعلم أن الدنيا من هو أجود منك، ولتحقر بعد هذا كل شيء فعلته، وتفعله، ولا تقف على مكرمة، ثم رمى بالعقد في مجرى مع خطام البعير وانصرف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015