دخل أحمد بن داوود على الواثق، فقال له: يا أحمد كان ابن الزيات هاهنا وذكرك بكل قبيح. فقال: يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب من كتم عن قول الحق فيه.
يقال: من كتم السلطان نصحه، والأطباء مرضه، والإخوان بثه، فقد خان نفسه.
كتب الشيخ الإمام العالم الحبر الورع المتبع مهذب الدين بقية السلف شيخ العارفين أبو الحسن سعد الله جامع هذا الكتاب، بارك الله في أنفاسه، وأمتع المسلمين بطيب إيناسه، إلى صديق له، فيما يقتضيه بشيء من الكافور، كان عوده أن ينفذه إليه، فقال: [المنسرح]
ابعث بشيء كتأثير نردك في ... لون نقي كعصرك الصافي
أكسيته منك طيب رائحة ... ومن معانيك أنه شافي
عودتنيه في ذا الأوان مجد ...
فديتك من منعم، ومن وافي
كفاني الله ما أحاذره ... فيك فنعم الوكيل الكافي
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: إن هذه الأخبار، والملح مروءة، فانظروا أين تضعوها.
وقال الخليل بن أحمد: أجمل ما في كتبك، كنز، أو ما تحفظه للنفقة.
وقال بعضهم يذم قوماً: [الطويل]
تواصوا عطل الوعد، ثم تجاسروا ... على اللون حتى جانبوا الوعد، والمطلا
ألا ربما أرقي اللئيم فينثني ... وأعضلي من يجمع اللؤم، والجهلا
ولآخر: [الوافر]
تساوى أهل دهرك في المساوي ... فما يستحسنون سوى القبح
وصار الجود عندهمو جنوناً ... فما يستعقلون سوى الشحيح
وكانوا يغضبون من التهاجي ... فصاروا يغضبون من المديح
في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة: الذين يحمدون الله على البأساء، والضراء".
يقال إن همتك لا تسع كل شيء، ففرغها للمهم، ومالك، ما يعني كل أحد، فخص به ذوي الحاجة، ومروءتك لا تطيق كل أحد، فأعن أهل الفضل.
قال أفلاطون: إذا درأ الملك حداً عن إنسان فيقضي ملكه، أم يجعل عيشه في حفظ.
ومنه ما حكي أن بعض الملوك كان منزله على ساحل البحر، فكسر مركب بإنسان، فأمر باستنقاذه، فلما مثل بين يديه، سأله عن حاله، فقال: أنا رجل بليت بكثرة عيال، وقلة حال، فحملت نفسي على الركوب في البحر لإحدى حالتين، إما أن أهلك، أو أستريح، وأرجع بعائدة وفائدة، وقد كنت حاصلاً بعرقي هذا إحدى الحالتين، فإن كنت أنقذتني لتردني إلى أهلي، فالذي أخرجتني منه، أحب إلي مما تردني إليهم فأعطاه مالاً جزيلاً.
وقال بعض الفضلاء: [مجزوء الوافر]
علام أعوم في الشبه ... وحالي غير مشتبه
أروح وأغدي طمعاً ... أكثر من أقل به
بفضل غير ذي سنه ... وجد غير مشبه
جاء في الآثار ونقل الأخبار: أن بينما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس في سكك المدينة فسمع امرأة تقول: [البسيط]
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
إلى فتى ماجد حلو شمائله ... سهل المحيا كريم غير هياج
تنمية أعراق صدق حين تنسبه ... أخي انفراج عن الإخوان فراج
ساجي النواظر من يعدله يقض ... له تضيء صورته في المظلم الداجي
نعم الفتى في سواد الليل تطرقه ... لبائس ولملهوف ومحتاج
فصفق عمر على يديه، وقال: ما أرى بالمصر رجلاً تهتف به العواتق في خدورهن، فلما أصبح قال علي بنصر بن الحجاج، فأُتي به، فإذا هو أحسن الناس، فأمره فاعتم، فافتتن النساء بعينيه فأمره فجز شعره، فخرجت له وجنتان كأنهما قمر، فقال له عمر: لا تساكني في بلد، فأمر به، فسيره إلى البصرة. وجلست ذلك من عمر، فدست إليه أبياتاً: [البسيط]
قل للإمام الذي يخشى بوادره ... مالي، وللخمر، أو نصر بن حجاج
يا منية لم أطأ فيها نضائره ... والناس من هالك فيها ومن ناجي
لا تجعل الظن حقاً، أو تبيه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي
إني رضيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف فاتر ساجي
إن الهوى رمة التقوى فحبسه ... حتى أهم بإلجام وإسراج
فأضرب عمر عنها، وأطال على أم نصر غيبته، فجلست لعمر، حتى خرج من الصلاة، فقالت: والله يا أمير المؤمنين، لأحاسبنك بين يدي الله، تبيت بين عبد الله وعاصم، وبيني وبين ابني، المفاوز، والفيافي.