قال إبراهيم المدبر اختصم رجلان إلى القاضي قد قدم أحدهما هدية، وأراد أن يقضي عليه بحق وجب، فدنا منه، فساره، وقال له، قد وجهت إلى دارك شبابيط دجليبه وفراريج كسرويه وجبنة دينورية وحنطة بلدية وشهدة رومية، فقال له: قم، وصاح عليه ما هذا تشاورني فيه، وتساررني به يا جاهل، إن كانت لك بينة، انتظرناها، وأخرنا الحكم، وصيرنا لك أجلاً، فقال الخصم: [الوافر]

إذا ما صب في القنديل زيت ... تحولت القضية للمقندل

وعند قضاتنا حكم وعلم ... وزرع حين ترشوهم يسنبل

قيل للاسكندر ما بلغ من شجاعة أصحابك؟ قال: رأيت تسألون أين العدو، ولا تسألون كم العدو.

وقال بعض الحكماء: ينبغي للعاقل أن يظهر من نعمة الله، ما لا يحتقر معه، ويستر منها ما يخاف أن يعاد بسببه.

ذكر أبو عبيدة أنه لما ولى أبو بكر يزيد بن سفيان الشام، أوصاه بتقوى الله ثم قال له: إنك نشأت بخير، وذكرلات بخير، وذلك الشيء خلوت به من نفسك، وقد أردت أستخرجك من قومك، وأنظر كيف خبرتك وعملك، فإن أحسنت زدتك، وإن أسأت رفضتك، عليك بتقوى الله، فإنه يرى من باطنك ما يرى في ظاهرك، فإن أطوع الناس لله أشدهم بغضاً لمعصيته، وإن أولى الناس بالله أشدهم تولياً، وقد وليتك عمل خالد بن سعيد، فإياك وغيبة الجاهلية، فإن الله أبغضها.

وأخرج الناس منها، فإذا أنت قدمت على أهل عملك فابدأهم بالخير وعدهم، وإذا وعدتهم فأنجز لهم، ولا تكثر عليهم، فإن كثير القول ينسى بعضه، وإنما لك ما وعي عنك، وأصلح نفسك يصلح الناس، فإن الوالي قدوة يعمل أهل عملة بعمله، وإذا قدم رسل عدوك، فأكرم منزلتهم، وأقلل حبسهم.

حتى يخرجوا من عندك جاهلين بعسكرك، ولا تريهم جيشك، فيروا خللك، وأنزلهم في ثروة عسكرك، وامنع من قبلك محادثهم، وكن أنت الذي تلي كلامهم، ولا تجعل سرك مع علانيتك، فيمزج أمرك، وإذا استشرت فاصدق الخبر تصدقك المشورة، ولا تكتم المستشار خبراً فتوناً من قبل نفسك، وإذا بلغك عن العدو عورة فاكتمها، حتى تواتيها.

واستمر في عسكرك تأتك الأخبار، وأكثر مفاجأة حرسك بغير علمهم، فمن أغفل محرسه فعاقبه واجعله نوباً بالليل، والنهار، ولا تتخذ حشماً دون غيرهم فيطعن الناس عليك، ويستحلوا معصيتك، ولا تلجن في عقوبة أدناها وجع، ولا تسرع إليها، وأنت مكتفي بغيرها وأصدق الله تعالى إذا لقيت، ولا تجبن فيجبن الناس، ولا تقدم في الغلول فإنه تورث وسطي النصر.

قال بعض الحكماء: وجدت لذيذ العيش في ثلاث: صديق تأمن منه في صداقته ما يرصدك به في عداوته، وامرأة تسرك إذا دخلت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها، ومملوك باقي على ما في نفسك من خدمتك كأنه مطلع على غيبك عالماً بإرادتك.

كان مقاتل بن سليمان يقسم أنه من دعا بهذا الدعاء لم يرد، هو أن يقول بعد أن يصلي الغداة (بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة، ثم يقول بعد ذلك يا قديم يا دايم يا فرد يا وتر يا أحد يا صمد يا سند يا من إليه المستند يا من لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد صلى على محمد على آل محمد) ثم يسأل حاجته من دنياه، وأخراه إلا أجاب الله دعاءه، ولم يرده، وكان مقاتل يقول: من دعا بهذا الدعاء، فلم يستجب له فليلعن مقاتل.

قال بعض الحكماء لرجل: أعلمك بيتين خير لك من ألف درهم، فقال: وما هما فقال: [الخفيف]

اخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل المقال

ليس المقول رحمة حين يبدو ... بقبيح يكون أو بجمال

أنشدني الشيخ أبو زكريا التبريزي اللغوي: [مخلع البسيط]

لما رأيت الزمان نكساً ... وليس في الخدمة انتفاع

كل رئيس به ملال ... وكل رأس به صداع

لزمت بيتي وصنت عرضاً ... به عن البذلة امتناع

أشرب مما اقتنيت براحاً ... بها إلى راحتي شعاع

لي من قواريرها ندامى ... ومن قراقيرها سماع

وأجتني من عقول قوم ... قد أقفرت منهم البقاع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015