فقال: إنا وفد العراق، لم نأتك لرغبة ولا رهبة، لأن الرعية قد أحضيت من بلادنا، وحصلت لنا بفضلك والرهبة قد أمناها بعد لك. قال: فما أنتم؟ قال: وفد الشكر، فقال: عمر الله أنت، فما أحسن منطقك، وانشد عمر رحمة الله عليه: [الطويل]
تعلم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخا علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغيراً إذا التفت عليه المحافل
روي أن مصعب بن الزبير أخذ رجلاً من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه، فقال أيها الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة فأتعلق بأطرافك، وأقول يا رب سل مصعباً فيم قتلني؟ فقال: أطلقوه، فقال: أيها الأمير اجعل ما وهبت لي من عمر في حفظ، فقال أعطوه مائة ألف درهم، قال بأبي أنت، أشهدك أن لابن قيس الرقيات نصفها لقوله فيك: [الخفيف]
إنما مصعب شهاب من الله ... تجلت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك رأفة ليس فيه ... جبروت يخشى، ولا كبرياء
يتقي الله في الأمور وقد أفل ... ح من كان شأنه الاتقاء
فضحك مصعب وقال: تلطفت، وإن فيك موضعاً للصنيعة، وأمر له بمائة ألف درهم أخرى، ولابن قيس الرقيات بخمسين ألفاً.
دخل رجل على خالد بن عبد الله القسري، في دية، فقال خالد: يا غلام هات ألف دينار، فأحضرت في كيس، فقال بعض جلساء خالد، فوالله ما رأى حاتم مثلها، فقال الرجل: حاتم، والله أكرم من أن يجتمع عنده مثلها، قال ابن المقفع: وجدت المودة بين الكرام، بمنزلة آنية الذهب، بطيء الانكسار، بطيء الانجبار.
سئل أفلاطون عن الأصدقاء، فقال: نفس واحدة في أجساد متفرقة.
قال الاسكندر لأصحابه: أيما أفضل، العدل، أو الشجاعة؟ فقالوا: إذا استعمل العدل، استغني عن الشجاعة.
دخل على الاسكندر بطارقته فقالوا: أيها الملك قد بسط الله ملكك، فأكثر من النساء ليكثر ولدك، قال لا يحسن بمن غلب الرجال أن تغلبه النساء.
حكى الزبيريون أن امرأة عرضت لكثير عزة فقالت: أنت القائل: [الطويل]
فما روضة بالحزن طيبة الثرى ... تمج الندى جئجائها وعرارها
ما حسن وجهاً أو ما عذب ريقة ... لعزة لما أتحفت بمرارها
لبعضهم: [الرمل]
صاح إن الدهر لا تعرفه ... فخذ الصفو ودع عنك الكدر
كمخطوب قد تصوبت لها ... وهي مثل الثمار ترمي بالشرر
خذل الإخوان فيها كلهم ... وأعان الله فيها ونصر
يروى أن علياً عليه السلام دخل على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد البيعة، فقال أبو بكر: والله يا أبا الحسن، إن عصابة أنت فيها لمعصومة، وأمة أنت فيها لمرحومة، وإنا نخاف الله إذا غضبت، ونرجوه إذا رضيت، ولقد حط الله عن كاهلك، ما أثقل به ظهري، ولولا أني جذبت لهذا الأمر، لما أجبت إليه، وإنا إليك لمحتاجون، وبفضلك عالمون، وعلى الله في أحوالنا متوكلون.
في ذكر المعاريض: ساوم رجل رجلاً في ناقة له، فقال له: كيف لبنها؟ قال احلب في أي إناء شئت، قال: وكيف سيرها؟ قال إذا رأيتها في الإبل عرفتها من غيرها، قال كيف ظهرها؟ قال افرش ونم، فقال فكيف حملها؟ قال: علي أحمل الحائط ما شئت فاشتراها فلم يجد شيئاً من ذلك فاستقاله فأقاله.
وسئل ابن شبرمة عن رجل، فقال له: بين وقدم وشرف. يعني بيتاً يسكنه، وقدماً يمشي عيه وشرفه أدناه ومتكاه.
لبعض الشعراء: [الطويل]
وما الحلي إلا زينة لنقيصة ... يتمم حسناً حيث ما الحسن قصرا
فأما إذا كان الجمال موفراً ... لحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
يروى أنه لما جاء إلى المهدي بالولاية، وهو جالس بين أصحابه سجدوا شكراً لله تعالى سبحانه، ما خلا عمارة بن حمزة بن ميمون: فقال له المهدي: ما بالك لا تسجد؟ فقال عمارة مقام شكر، وهو علي إن كنت معنا فطرت، وتركتنا، فقال فإن طرنا بك معنا، قال الآن طاب السجود وسجد.
قال المنصور لعمرو بن عبيد قد كثر ببابنا من يمت بالنصيحة، ويسأل الاستخدام، فقال يا أمير المؤمنين ابتلهم بالهوان، والحرمان، فمن شكا الهوان دون الحرمان، فاستخدمه، من شكا الحرمان دون الهوان فأعرض عنه، فإن من يكره الهوان، عزيز النفس، ومن صبر عليه فهو خسيس الهمة دنيءٌ ومثله يستخدم.