وحكي أنه دخل عقال بن شبة على هشام بن عبد الملك، فأراد أن يقبل يده فمنعه، وقال: لا تفعل، فإنه لا يفعل هكذا من العرب إلا الهلوع، ونم العجم إلا الخنوع.
وقال العتبي: استأذن رجل مروان الجعدي في تقبيل يده فأبى وقال إنها من العرب ذلة، ومن العجم خدعة، ولا حاجة لي أن تذل لي أو تخدعني.
وقيل أنه دخل عمران بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع العدوي، على أبي العباس في أول وفد، وفد من المدينة، فأمروا بتقبيل يده فتبادرها وعمران واقف، ثم حياه بالخلافة، وذكر حيه ونسبه، ثم قال: يا أمير المؤمنين إنها والله لو كانت تزيدك رفعة، وتزيدني من الوسيلة إليك ما سبقني بها أحد، وإنك وإنى لغني عما لا أجر فيه، وعلينا فيه منعه، ثم جلس فوالله ما نقص من حظ أصحابه في كراهية التقبيل: وقد كره مالك تقبيل اليدين، حتى تقبيل العبد يد مولاه.
وقال سفيان بن عيينة رأيت أبا مسلم في حجته سنة اثنين وثلاثين ومائة، وقد قامت إليه امرأة فقالت: يا أمين آل محمد، إني أنذرت إن رأيتك أن أقبل يدل، فقال قبلي الحجر، فإنك تقضين نذرين تصيبين أجراً.
وصاح به رجل يا قاتل الجائرين، فقال له: من هذا إنما ذلك الله، ثم تحفل في الحرم فتحفا الناس، فقبل له في ذلك، فقال: إني سمعت الله سبحانه يقول لموسى عليه السلام {فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس} [طه:12] وهذا الوادي أكرم من ذلك الوادي.
قال أبو رجاء العطاردي: دخلت المدينة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فرأيت رجلاً يقبل رأس رجل، فسألت عنهما، فقيل: عمر يقبل رأس أبي بكر، ويصوبه في قتال أهل الردة، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بين عيني جعفر بن أبي طالب لما قدم من الحبشة، وبين عيني العباس رضي الله عنهما وكان النبي عليه الصلاة والتسليم لا ينام، حتى يقبل عرض وجه فاطمة عليها السلام.
ودخل أبو بكر الصديق على عائشة وهي مضجعة محمومة، فأكب عليها فقبل خدها، وقال: كيف تجدينك يا بنية.
وقبل عليه السلام الحسن بن علي، والأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحد منهم قط، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يرحم لا يرحم".
وقبل عبد الله بن عمر سالماً، وهو شيخ، ويقول شيخ يقبل شيخاً.
قيل: لا تجالس عدوك فيحفظ عليك عيوبك، ويمار بك في صوابك.
ولبعضهم: [الكامل]
شر العداوة ما أرتك محبة ... وطوت على البغضاء والشنآن
يأتيك صاحبها ليحفظ زلة ... وتراه زاد زيادة الأخوان
سمع أعرابي رجلاً ينادي على جارية له يريد بيعها: [الطويل]
هي الجمر حراً إذا أردت حرارة ... وأضيق من سم الخياط مضيقها
وأيبس من صم الحنادل مهبلاً ... وألين من خز العراق قليقها
وأظهر من يمشي على الأرض غلمة ... وأعذبهم ريقاً إذا مص ريقها
وقال بعض الأدباء الغربة ذلة، فإن أردفتها قلة، وأعقبتها علة، فهي نفس مضمحلة.
وقال آخر لا تنهض عن وكرك، فتنتقصك الغربة، وتضنيك الوحدة، ويقال أن الخالي عن مسقط رأسه كالعير الناشز عن موضعه الذي هو لكل سبع فريسة، ولكل كلب قنيصة، ولكل رام رمية.
لبعضهم: [الطويل]
وإن اغتراب المرء من غير خلة ... ولا همة تسمو لها لعجيب
وحسب الفتى ذلاً وإن أدرك ... الغنى ونال ثراء أن يقال غريب
قيل للعباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم: أنت أكبر، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله، وقيل الحجاج للمهلب أنا أطول منك أم أنت؟ فقال المهلب الأمير أطول مني، وأنا أبسط قامة. وقيل إنه وقف المهدي على امرأة من بني ثعل، فقال لها: ممن العجوز؟ قالت من طي، قال ما منع طياً أن يكون فيها آخر مثل حاتم؟ قالت: الذي منع العرب أن يكون فيها مثلك، فأعجب بقولها، ووصلها. وقدم قوم من العراق على عمر بن عبد العزيز فنظر فيهم إلى شاب يريد الكلام، فقال له عمر: الكبر الكبر تعني دع يتكلم أولو الأسنان، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، ليس الأمر بالسن، ولو كان كذلك تولى هذا الأمر من هو أسن منك، قال له: صدقت بارك الله فيك.