الصَّفَا مَا بَين المنارتين الْأَوليين أسْرع حَتَّى يصل إِلَى مَا بَين المنارتين الثانيتين ثمَّ يسير الهوينى حَتَّى يبلغ الْمَرْوَة فيصعد عتباتها وَيَدْعُو ذَلِك الدُّعَاء الْمَعْلُوم وَهَكَذَا يُكَرر هَذَا السَّعْي فِي السُّوق بِحَيْثُ يسْعَى من الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَة أَربع مَرَّات وَمن الْمَرْوَة إِلَى الصَّفَا ثَلَاث مَرَّات فَيكون قد سعى فِي هَذِه السُّوق سبع مَرَّات
وعندما ينزل الْحَاج من جبل الْمَرْوَة يجد سوقا فِيهَا عشرُون دكانا متقابلة يشغلها جَمِيعًا حجامون لحلق شعر الرَّأْس وَحين يتم الْحَاج شَعَائِر الْعمرَة وَيخرج من الْمَسْجِد الْحَرَام يدْخل السُّوق الْكَبِيرَة الَّتِي تقع نَاحيَة الشرق والمسماة سوق العطارين وَهِي سوق جميلَة البنايات وَكلهَا عطارون
وبمكة حمامان بلاطهما من الْحجر الْأَخْضَر السنان وقدرت أَن سكانها القاطنين بهَا لَا يزِيدُونَ على أَلفَيْنِ وَالْبَاقِي ويقربون من الْخَمْسمِائَةِ من الغرباء والمجاورين وَفِي ذَلِك الْوَقْت كَانَ بِمَكَّة قحط فَكَانَ السِّتَّة عشر منا من الْقَمْح بِدِينَار مغربي وَقد هَاجر مِنْهَا كَثِيرُونَ
وَقد كَانَ لأهالي كل مَدِينَة من خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَالْعراق وَغَيرهَا منَازِل بِمَكَّة وَلَكِن أغلبها كَانَ خرابا وقتذاك وَقد بنى بهَا خلفاء بَغْدَاد عمارات كَثِيرَة وأبنية جميلَة وَكَانَ بَعْضهَا وَأَنا هُنَاكَ خربا وَالْبَعْض الآخر اشْتَرَاهُ النَّاس (أصبح ملكا خَاصّا) وَمَاء آبار مَكَّة مالح وَمر لَا يساغ شربه وَلَكِن بهَا كثيرا من الأحواض والمصانع الْكَبِيرَة بلغت تكاليف الْوَاحِد مِنْهَا أَكثر من عشرَة آلَاف دِينَار وَهِي تملأ من مَاء الأمطار الَّذِي يتدفق من الأودية وَكَانَت فارغة وَنحن هُنَاكَ
وَقد أنشأ ابْن أحد أُمَرَاء عدن مجْرى للْمَاء تَحت الأَرْض وَأنْفق عَلَيْهِ أَمْوَالًا كَثِيرَة يسقى مِنْهُ مَا على حافتيه من شجر فِي عَرَفَات وَقد حبس هَذَا المَاء هُنَاكَ حَيْثُ غرست الحدائق فَلَا يصل (قرب) مَكَّة مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل لِأَن الْقَنَاة لَا تبلغها وَهَذَا الْقَلِيل يجمع فِي حَوْض خَارج مَكَّة فَيَأْخُذ مِنْهُ