الدولة الَّذِي مر ذكره وَقد رَأَيْت كثيرا من المدن والقلاع فِي أَطْرَاف الْعَالم فِي بِلَاد الْعَرَب والعجم والهند وَالتّرْك وَلَكِنِّي لم أر قطّ مثل مَدِينَة آمد فِي أَي مَكَان على وَجه الأَرْض وَلَا سَمِعت من أحد أَنه رأى مَكَانا آخر مثلهَا ومسجدها الْجَامِع من الْحجر الْأسود وَلَيْسَ مثله متانة وإحكاما وَقد أقيم فِي وَسطه مِائَتَا عَمُود ونيف من الْحجر كل عَمُود قِطْعَة وَاحِدَة وَفَوق هَذِه الأعمدة عُقُود من الْحجر وَقد نصبت فَوْقهَا أعمدة أقصر من تِلْكَ وَجَمِيع أَسْقُف الْمَسْجِد على هَيْئَة الجملون وَقد كملت نجارة ونقارة ونقشا ودهنا وَفِي ساحته صَخْرَة كَبِيرَة عَلَيْهَا حَوْض كَبِير مستدير من الْحجر يبلغ ارتفاعه قامة رجل ومحيط دائرته ذراعان وَفِي وسط الْحَوْض أنبوبة من النّحاس يتفجر مِنْهَا مَاء صَاف لَا يظْهر مدخله أَو مخرجه وبالمسجد ميضأة عَظِيمَة جميلَة الصنع بِحَيْثُ لَا يُوجد أحسن مِنْهَا وَقد بنيت عمارات آمد كلهَا من الْحجر الْأسود وَأما ميافارقين فعماراتها من الْحجر الْأَبْيَض
وبالقرب من الْمَسْجِد كَنِيسَة عَظِيمَة غنية بالزخارف مَبْنِيَّة كلهَا من الْحجر وَقد فرشت أرْضهَا بالرخام المنقوش وَقد رَأَيْت فِيهَا على الطارم وَهُوَ مَكَان الْعِبَادَة عِنْد النَّصَارَى بَابا من الْحَدِيد المشبك لم أر مثله فِي أَي مَكَان
وَمن آمد إِلَى حران طَرِيقَانِ أَحدهمَا لَا عمرَان فِيهِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ فرسخا وَالثَّانِي بِهِ أَمَاكِن معمورة وقرى كَثِيرَة مُعظم أَهلهَا من النَّصَارَى وَهُوَ سِتُّونَ