سفر نامه (صفحة 116)

شهور لم نحلق شعر رَأْسنَا فَأَرَدْت أَن أذهب إِلَى الْحمام التمس الدفء فقد كَانَ الجو بَارِدًا وَلم يكن علينا ملابس كنت أَنا وَأخي كِلَانَا نلبس فوطة بالية وعَلى ظهرينا خرقَة من الصُّوف متدلية من الرَّأْس حَتَّى قلت لنَفْسي من الَّذِي يسمح لنا الْآن بِدُخُول الْحمام فَبِعْت السلتين اللَّتَيْنِ كَانَت بهما كتبي وَوضعت بعض دَرَاهِم من ثمنهَا فِي ورقة لأعطيها للحمامي عَسى أَن يسمح لنا بِوَقْت أطول فِي الْحمام لنزيل مَا علينا من كدر فَلَمَّا قدمت اليه هَذِه الدريهمات نظر إِلَيْنَا شذرا وَظن أننا مجانين وانتهرنا قَائِلا اذْهَبُوا فَالْآن يخرج النَّاس من الْحمام وَلم يَأْذَن لنا بِالدُّخُولِ فخرجنا فِي خجل ومشينا مُسْرِعين وَكَانَ بِبَاب الْحمام أَطْفَال يَلْعَبُونَ فحسبونا مجانين فجروا فِي أثرنا ورشقونا بِالْحِجَارَةِ وصاحوا بِنَا فلجأنا إِلَى زَاوِيَة وَقد تملكنا الْعجب من أَمر الدُّنْيَا وَكَانَ الْأَعرَابِي يطْلب منا الثَّلَاثِينَ دِينَارا مغربيا وَلم نَكُنْ نَعْرِف وَسِيلَة للسداد وَكَانَ بِالْبَصْرَةِ وَزِير ملك الأهواز واسْمه أَبُو الْفَتْح عَليّ بن أَحْمد وَهُوَ رجل أَخْلَاق وَفضل يجيد معرفَة الشّعْر وَالْأَدب وَكَانَ كَرِيمًا وَقد جَاءَ الْبَصْرَة مَعَ أبنائه وحاشيته وَأقَام بهَا وَلم يكن لَدَيْهِ مَا يشْغلهُ وَكنت عرفت رجلا فارسيا فَاضلا من أصدقاء الْوَزير والمترددين عَلَيْهِ كل وَقت وَكَانَ هَذَا الْفَارِسِي فَقِيرا لَا وسعة عِنْده لإعانتنا فَقص على الْوَزير قصتنا فَلَمَّا سَمعهَا أرسل إِلَيّ رجلا وَمَعَهُ حصان أَن اركب واحضر عِنْدِي كَمَا أَنْت فخجلت من سوء حَالي وعريي وَلم أر الذّهاب مناسبا فَكتبت رقْعَة معتذرا وَقلت فِيهَا إِنِّي سأكون فِي خدمته (بعد وُصُول ورقتي اليه) وَكَانَ قصدي من الْكِتَابَة شَيْئَيْنِ أَن يعرف فقري وَعلمِي حِين يطلع على كتابتي وَأَن يقدر أهليتي وَذَلِكَ حَتَّى لَا أخجل من زيارته وَقد أرسل إِلَيّ فِي الْحَال ثَلَاثِينَ دِينَارا لشراء كسْوَة فاشتريت حلتين جميلتين وَفِي الْيَوْم الثَّالِث ذهبت لمجلس الْوَزير فرأيته رجلا كَامِلا أديبا فَاضلا جميل الْخلقَة متواضعا دينا حُلْو الحَدِيث وَله أَرْبَعَة أَبنَاء أكبرهم شَاب فصيح أديب عَاقل اسْمه الرئيس أَبُو عبد الله أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد وَكَانَ شَاعِرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015