وَمن مصر إِلَى مَكَّة عَن الطَّرِيق الَّذِي سرت فِيهِ هَذِه الْمرة ثَلَاثمِائَة فَرسَخ وَمن مَكَّة إِلَى الْيمن إثنا عشر فرسخا
وَتَقَع صحراء عَرَفَات بَين جبال صَغِيرَة كالتلال ومساحتها فرسخان فِي مثلهمَا وَكَانَ بهَا مَسْجِد بِنَاء إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لم يبْق مِنْهُ هَذِه السَّاعَة غير مِنْبَر خرب من الطوب النيئ يصعد عَلَيْهِ الْخَطِيب فِي صَلَاة الظّهْر ويخطب ثمَّ يُؤذنُونَ للصَّلَاة ثمَّ يصلونَ جمَاعَة رَكْعَتَيْنِ سنة الْمُسَافِرين ثمَّ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيصلونَ جمَاعَة رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ يجلس الْخَطِيب على جمل وَيتَّجه شرقا وَالنَّاس وَرَاءه وعَلى بعد فَرسَخ جبل حجري صَغِير يُسمى جبل الرَّحْمَة هُنَاكَ يقفون وَيدعونَ حَتَّى وَقت الْغُرُوب
وَقد أوصل ابْن شاد دلّ الَّذِي كَانَ أَمِيرا لعدن المَاء إِلَى جبل الرَّحْمَة من مَكَان بعيد وَأنْفق فِي ذَلِك مَالا طائلا وَيحمل المَاء من هَذَا الْجَبَل إِلَى صحراء عَرَفَات حَيْثُ عملت أحواض تملأ مَاء أَيَّام الْحَج حَتَّى يَتَيَسَّر المَاء للحجيج وَقد بنى هَذَا الْأَمِير فَوق جبل الرَّحْمَة طاقا مربعًا كَبِيرا يضعون فَوق قُبَّته كثيرا من الْقَنَادِيل والشموع لَيْلَة عَرَفَة ويومه فَيرى نورها من مَسَافَة فرسخين وَقيل إِن أَمِير مَكَّة أَخذ ألف دِينَار من ابْن شادن دلّ ليجيز لَهُ إِقَامَة هَذَا الطاق
فِي التَّاسِع من ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة (27 ابريل 1051) قضيت الْحجَّة الرَّابِعَة بعون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلما غَابَتْ الشَّمْس عَاد الْحجَّاج والخطيب من عَرَفَات وَسَارُوا فرسخا إِلَى الْمشعر الْحَرَام ويسمونه الْمزْدَلِفَة وَهُنَاكَ بِنَاء جميل كالمقصورة يُصَلِّي فِيهِ النَّاس وَيَأْخُذُونَ مِنْهُ حِجَارَة الرَّجْم الَّتِي يَرْمُونَهَا بمنى وَالْعَادَة أَن يقْضِي الْحجَّاج هَذِه اللَّيْلَة وَهِي لَيْلَة الْعِيد هُنَاكَ حَيْثُ يصلونَ الْفجْر وَعند طُلُوع الشَّمْس يتوجهون إِلَى منى حَيْثُ يضحون وَهُنَاكَ مَسْجِد كَبِير يُسمى مَسْجِد الْخيف وَلَيْسَ من الْمَفْرُوض إِلْقَاء خطْبَة وَصَلَاة