فأما إذا لم تكن الحاجة ممزوجة بأنفس الأمثلة فتأتي على أربعة أضرب، وهي: واو العطف، والواو التي بمعنى مع، وواو الحال، وواو القسم.
فأما واو العطف فنحو قولك: "قام زيد وعمرو" وليس فيها دليل على المبدوء به في المعنى، لأنها ليست مُرَتِّبة، قال لبيد1:
أُغْلي السباءَ بكلِّ أَدْكَنَ عاتِقٍ ... أو جَوْنةٍ قُدِحَتْ، وفُضَّ خِتامُها2
فقوله: "قدحت" أي "غرفت" ومنه سميت المغرفة مقدحة، وفض ختامها: فتح رأسها، وإنما تغرف بعد أن تفتح، فقد علمت أن "قدحت"، مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى. وعلى هذا يتوجه قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [مريم: 43] 3 فبدأ بالسجود قبل الركوع لفظًا، وهو مؤخر معنى، ولذلك لم يلزم عند أبي حنيفة4 وأصحابه من قوله عَزَّ اسْمُهُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] 5 الآية تقديم بعض الأعضاء على بعض في الغسل، وذلك أنها معطوفة بالواو، ولا ترتيب فيها.