وكلمني بعضهم، فقال: أنا أوجدك في الآية ترتيبًا، وهو قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: من الآية6] قال: والفاء للترتيب بلا خلاف، وحكى ذلك عن بعض متأخريهم -وأحسبه ابن القطان رحمه الله- فقلت له: قد ذهب عليك ما في الحال، وذلك أن معنى قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} أي: إذا عزمتم على الصلاة، وأردتموها، وليس الغرض -والله أعلم- في {قمتم} النهوض والانتصاب، لأنهم قد أجمعوا أنه لو غسل أعضاءه قبل الصلاة قائمًا أو قاعدًا لكان قد أدى فرض هذه الآية، فالفاء إذن إنما رتبت الغسل والمسح عقيب الإرادة والعزم، ولم تجعل للغسل مزية في التقدم على المسح، لأن المسح معطوف على الغسل بالواو في قوله: {وَامْسَحُوا} فجرى هذا مجرى قولك: "إذا قمت فاضرب زيدًا واشتم بكرًا" فلو بدأ بالشتم قبل الضرب كان جائزًا، فالفاء لم ترتب الغسل قبل المسح، ولا الضرب قبل الشتم، ولم ترتب أيضًا نفس المغسول به، لأن المغسول معطوف بعضه على بعض بحرف لا يوجب الترتيب، وهو الواو، وهذا واضح، فَفَهِمَهُ، وعرف الحقيقة فيه.

ونظير "قمتم" في هذا الموضع قوله عَزَّ اسْمُهُ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] 1 وليس يراد هنا -والله أعلم- القيام الذي هو المثول والتنصيب وضد القعود، وإنما هو من قولهم: "قمت بأمرك" و"عليَّ القيامُ بهذا الشأن" فكأنه -والله أعلم- الرجال متكلفون لأمور النساء معنيون بشؤونهن.

فكذلك قوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} أي: إذا هممتم بالصلاة، وتوجهتم إليها بالعناية، وكنتم غير متطهرين، فافعلوا كذا وكذا، لابد من هذا الشرط، لأن من كان على طهر وأراد الصلاة لم يلزمه غسل شيء من أعضائه لا مرتبًا ولا مُخَيَّرًا فيه، فيصير هذا كقوله عز وجل {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وهذا، أعني قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} فافعلوا كذا، وهو يريد: إذا قمتم ولستم على طهارة، فحذف ذلك للدلالة عليه أحد الاختصارات التي في القرآن،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015