فأصله "الفُتُوية" و"النُّدُوية" و"الفُتُوي" ولكنهم أبدلوا الياء واوًا للضمة قبلها، ولم يعتدوا بالواو الساكنة حاجزًا لضعفها، فلما قلبوا الياء واوًا أدغموا الأولى فيها، فصحت لأن الأولى حصنتها بإدغامها إياها فيها، ولولا أن الأولى أدغمت في الآخرة لما جاز أن تقع واوٌ في اسم طرفًا بعد ضمة، وهذا واضح.
ويدل على أن "الندوة" من الياء قولهم: "لفلان تكرم ونَدًى" بالإمالة فدلت الإمالة على أنه من الياء. فأما قولهم:
"النداوة" فالواو فيه بدل من ياء، وأصله "نداية" لما ذكرنا من الإمالة في "الندى" ولكن الياء قلبت واوًا لضرب من التوسع، وسنذكر أمثال هذا.
اعلم أنهم قد قلبوا الياء واوًا لا لعلة سوى تعويض الواو قلبها ياء لكثرة دخول الياء عليها، وذلك قولهم: "جبيتُ الخراجَ جِباوَة" وأصلها "جِباية"3. وقالوا: "رجاء بن حَيْوَة" وأصلها "حَيَّة"4 فقلت الياء التي هي لام واوًا.
وقالوا: "هذا أَمْرٌ مَمْضُوٌّ عليه" أي "ممضيٌّ". وقالوا: "هي المُضواء"5 وأصلها "مضياء". وقالوا: "هو أَمُورٌ بالمعروفِ نَهُوٌّ عن المنكرِ" وهي من "نَهَيْتُ". وقالوا: "شَرِبتُ مَشُوًّا" وهو من "مشيت" لأنه الدواء الذي يُمْشَى عنه6، وكأنهم أبدلوا الياء واوًا في "نَهُوٌّ" و"مَشْوٌّ" ولم يقولوا "نهي" و"مشي" لأنهم أرادوا بناء "فَعُول" فكرهوا أن يلتبس بـ "فَعِيل".
و"الحَيَوَان" أصله "الحَيَيَان" فقلبت الياء التي هي لام واوًا استكراها لتوالي الياءين ليختلف الحرفان، هذا مذهب الخليل7 وسيبويه8 وأصحابهما9 إلا أبا عثمان