فإن قال قائل: فإذا ثبت بما ذكرته أن التشديد في "فم" عارض ليس من أصل الكلمة؛ فمن أين أتاها هذا التشديد؟ وكيف وجه دخوله إياها؟
فالجواب: أن أصل ذلك أنهم ثقلوا الميم في الوقف؛ فقالوا: هذا فم، كما يقولون: هذا خالد، وهو يجعل، ثم إنهم أجروا الوصل مجرى الوقف، فقالوا: هذا فم، ورأيت فمًا، كما أجروا الوصل مجرى الوقف في ما حكاه سيبويه عنهم من قولهم ثلاثة أربعة، وكما أنشده من قول الراجز1:
ضخمًا يحب الخلق الأضخما2
وكما أنشدناه أبو علي:
ببازل وجناء أو عيهل ... كأن مهواها على الكلكل3
يريد: العيهل والكلكل، وقد مضى نظير هذا؛ فهذا حكم تشديد الميم عندي، وهو أقوى من أن تجعل الكلمة من ذوات التضعيف بمنزلة هم، وجم.
فإن قلت: فإذا كان أصل "فم" عندك "فوه" فما تقول في قول الفرزدق أنشدناه أبو علي4:
هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح العوي أشد رجام5