وقال أيضاً:
أداراً بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهواء يرفض أو يترقرق
وقالوا: ماء الشباب. قال أبو العتاهية:
ظبى عليه من الملاحة حلة ... ماء الشباب يجول في وجناته
وهو من قول عمر بن أبي ربيعة:
وهي مكنونة تحير منها ... في أديم الخدين ماء الشباب
فما يكون إذا استعار أبو تمام من هذا كله حرفاً فجاء به في صدر بيته لما قال في آخره - إنني صب قد استعذبت ماء بكائي - قال في أوله: لا تسقني ماء الملام وقد تحمل العرب اللفظ على اللفظ فيما لا يستوي معناه. قال الله جل وعز: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 1 فالسيئة الثانية ليست بسيئة لأنها مجازاة ولكنه لما قال وجزاء سيئة سيئة حمل اللفظ على اللفظ وكذلك: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} 2إنما حمل اللفظ على اللفظ فخرج الانتقام بلفظ الذنب لن الله عز وجل لا يمكر. وكذلك: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم} 3 لا قال فبشر هؤلاء بالجنة قال: وبشر هؤلاء بالعذاب والبشارة إنما تكون في الخير لا في الشر.
هذه جملة ما قاله أبو بكر وهي غير لائقة بمثله من أهل العلم بالشعر لأن قولهم كلام كثير الماء وماء الشباب وقول يونس إن الأخطل أكثرهم ماء شعر إنما المراد به الرونق كما يقال ثوب له ماء ويقصد بذلك رونقه ولا يحسن أن يقال ما شربت أعذب من ماء هذا