سر الفصاحه (صفحة 114)

وكذلك قول ذي الرمة في إحدى الروايات:

أقامت به حتى ذوى العود والثرى ... ولف الثريا في ملاءته الفجر

لأن الفجر لما غطى الليل ببياضه وشمل الأرض عند طلوعه حسنت استعارة الملاءة له لتضمنها هذا المعنى وعب بطلوع الثريا وقت طلوع الفجر بأنه لفها في ملاءته وتلك أحسن عبارة وأوضح استعارة.

وقد اختار أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي الكاتب من جملة الاستعارة قول امرئ القيس:

فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل1

وقال: إن هذه الاستعارة في غاية الحسن والجودة والصحة لأنه إنما قصد وصف أحوال الليل الطويل فذكر امتداد وسطه وتثاقل صدره للذهاب والانبعاث وترداف أعجازه وأواخره شيئاً فشيئاً قال: وهذا عندي منتظم لجميع نعوت الليل الطويل على هيئته وذلك أشد ما يكون على من يراعيه ويترقب تصرمه فلما جعل له وسطاً يمتد وأعجازاً رادفة للوسط استعار له اسم الصلب وجعله متمطياً من أجل امتداده لأن قولهم تمطى وتمدد بمنزلة واحدة وصلح أن يستعير للصدر اسم الكلكل من أجل نهوضه وهذه أقرب الاستعارات من الحقيقة لملاءمة معناها لمعنى ما استعيرت له.

وهذا الذي قاله أبو القاسم لا أرضى به غاية الرضى ولو كنت أسكن إلى تقليد أحد من العلماء بهذه الصناعة أو أجنح إلى اتباع مذهبه من غير نظر وتأمل لم أعدل عما يقوله أبو القاسم لصحة فكره وسلامة نظره وصفاء ذهنة وسعة علمه لكنني أغلب الحق عليه ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015