سر الفصاحه (صفحة 113)

لأن حقيقة طغي علا والاستعارة أبلغ لأن طغى علا قاهراً. وكذلك: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} 1. لأن حقيقة عاتية شديدة والعتو أبلغ لأنه شدة فيها ثمرد. وقوله عز اسمه: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} 2 لأن انسلاخ الشئ عن الشئ هو أن يتبرأ منه ويزول عنه حالا فحالا وكذلك انفصال النهار عن الليل والانسلاخ أبلغ من الانفصال لما فيه من زيادة البيان وقوله عز وجل: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} 3 لأن تنفسها هنا مستعار وحقيقته بدأ انتشاره وتنفس أبلغ لما فيه من الترويح عن النفس وقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} 4 وحقيقته لا تمنع نالك كل المنع. والاستعارة أبلغ لأنه جعل منع النائل بمنزلة غل اليد إلى العنق وحال المغلول أظهر. وأمثال هذا في كتاب الله كثيرة وهو جار على عادة العرب المعروفة في الاستعارة.

ومنه قول طفيل الغنوي:

وجعلت كوري فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرحل5

فإن اشتعارة هذا البيت مرضية عند جماعة العلماء بالشعر لأن الشحم لما كان من الأشياء التي تقتات وكان الرحل يتخونه ويذيبه كان ذلك بمنزلة من يقتاته وحسنت استعارته القوت للقرب والمناسبة والشبه الواضح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015