سر الفصاحه (صفحة 112)

ولا بد للاستعارة من حقيقة هي أصلها: وهي مستعار ومستعار منه ومستعار له. فالمستعار لفظ الاشتعال فيما مثلنا به والنار مستعار منه والشيب مستعار له. ولها تأثير في الفصاحة ظاهر وعلقة وكيدة. والبعيد منها يقضي باطراح الكلام ويذهب طلاوته ورونقه ولأجل هذا احتاج إلى إيضاحها ووصف ما يحسن منها ويقبح والإكثار من الأمثلة التي تدل على ما أريده.

وهي على ضربين قريب مختار وبعيد مطرح. فالقريب المختار ما كان بينه وبين ما استعير له تناسب قوى وشبه واضح والبعيد المطرح إما أن يكون لبعده مما استعير له في الأصل أو لأجل أنه استعارة مبنية على استعارة فتضعف لذلك والقسمان معا يشملهما وصفي بالبعد لكن هذا التفصيل يوضح وإذا ذكرت الأمثلة بان القريب في الاستعارة من البعيد وعرف المرضى منها والمكروه وتنزلت الوسائط بينهما بحسب النسبة إلى الطرفين.

وهذا الفن قد أورده المحدثون كثيراً وإن كان المتقدمون بدؤا به وممن أكثر استعماله أبو تمام حبيب بن أوس فأورده منه في شعره الجيد المحمود والرديء الذي هو الغاية في القبح. سأذكر في شعره خاصة ما يستدل به على ذلك. وقد خرج على بن عيسى ما ورد في القرآن من الاستعارة فكان من ذلك قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراًً} 1.

لأن حقيقته عمدنا لكن قدمنا أبلغ لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم يقدم من سفر لأنه من اجل إمهاله لهم عاملهم كما يفعل الغائب عنهم إذا قدم فرآهم على خلاف ما أمرهم به وفي هذا تحذير من الاغترار بالإهمال. وقوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} 2

طور بواسطة نورين ميديا © 2015