سر الفصاحه (صفحة 109)

فيقول نحن قوم من الجن لجوبنا الفلاة والمهامه والقفار التي لا تسلك وقلة فرقنا فيها إلام أننا في زي الإنس - وهم على الحقيقة كذلك ونحن فوق طير من سرعة إبلنا إلا أن شخوصها شخوص الجمال ولا شك أيضاً في ذلك.

فأما قول قطري بن الفجاءة المازني:

ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الإقدام

فقد حملوه على المقلوب. وقالوا: يريد قارح البصيرة جذع الإقدام. كما يقال: إقدام غرور أي مجرب وقد كان أبو العلاء صاعدين عيسى الكاتب جاراني في بعض الأيام هذا البيت وقال: ما المانع من أن يكون مقصوده لم أصب أي لم ألف على هذه الحال بل وجدت على خلافها جذع الإقدام قارح البصيرة ويكون الكلام على جهته غير مقلوب وتمكن الدلالة على أن قوله: لم أصب في البيت بمعنى لم ألف دون ما يقولون من أن مراده به لم أجرح قوله قبله:

لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفاً لحمام

فلقد أراني للرماح رديئة ... من عن يميني تارة وأمامي

حتى خضبت بما تحدر من دمى ... أكناف سرجى أو عنان لجامى

فكيف يكون لم يصب وقد خضب هذا بدمه فأما قولهم إنه أراد من دمي أي من دم قومي وبني عمي فمبالغة منهم في التعسف والعدول عن وجه الكلام ليستمر لهم أن يكون فاسداً غير صحيح وهذا الذي ذكره أبو العلاء وسبق إليه له وجه يجب تقبله واتباعه فيه وفحوى كلام قطري يدل على أنه أراد جرح ولم يمت إعلاماً أن الإقدام غير علة في الحمام وحثاً على الشجاعة ونيها عن الفرار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015