سر الفصاحه (صفحة 110)

ومن طريف التفسير للشعر أن يتأول ليقع الفساد فيه ولو حمل على ظاهره كان صواباً صحيحاً وما أعرف أعجب من حمل كافة المفسرين قول الفرزدق:

أن الذي سمك السماء بنا لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول

على وجهين أحدهما أن يكون أعز وأطول بمعنى عزيزة طويلة والثاني أعز وأطول من بيتك يا جرير. فيتعسفون في التأويل ومراد الشاعر أوضح من أن يخفى وأشهر من أن يجهل وهو أعز وأطول من السماء التي ذكرها في أول البيت وإنما جاء بها لهذا الغرض وهذا مبالغة في العشر معروفة مستعملة وليست بالمكروهة ولا الغريبة.

ومن وضع الألفاظ في موضعها حسن الاستعارة وقد حدها أبو الحسن على بن عيسى الرماني فقال: هي تعليق العبارة على غير ما وضعت في أصل اللغة على جهة النقل للإبانة وتفسير هذه الجملة أن قوله عز وجل {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} 1 استعارة لأن الاشتعال للنار ولم يوضع في أصل اللغة للشيب فلما نقل إليه بان المعنى لما اكتسبه من التشبيه لأن الشيب لما كان يأخذ في الرأس ويسعى فيه شيئاً فشيئاً حتى يحيله إلى غير لو نه الأول كان بمنزلة النار التي تشتعل في الخشب وتسرى حتى تحيله إلى غير حاله المتقدمة فهذا هو نقل العبارة عن الحقيقة في الوضع للبيان ولا بد من أن تكون أوضح من الحقيقة لأجل التشبيه العارض فيها لأن الحقيقة لو قامت مقامها كانت أولى لأنها الأصل والاستعارة الفرع وليس يخفى على المتأمل أن قوله عز اسمه: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015