سعيي؛ بل عملي يقصر عنها، وإنما هي من فضلك وإحسانك لا بكسبي ولا باستغفاري وتوبتي. ثُمَّ قال: "وارحمني" أي: ليس معولي إلَّا على مجرد رحمتك، فإن رحمتني وإلَّا فالهلاك لازم لي.

فليتدبَّر اللبيب هذا الدعاء وما فيه من المعارف والعبودية، وفي ضمنه: أنه لو عذبتني لعدلت فيَّ ولم تظلمني، وإِنِّي لا أنجو إلَّا برحمتك ومغفرتك، ومن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يُنْجِي أَحَدًا مِنكُمْ عَمَلَهُ"، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: "ولا أنا، إلَّا أن يَتَغَمَّدَني اللَّه بِرَحمةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ" (?).

فإذا كان عمل العبد لا يستقل بالنجاة، فلو لم ينجه اللَّه لم يكن قد بخسه شيئًا من حقه ولا ظلمه؛ فإنه ليس معه ما يقتضي نجاتَه، وعملُه ليس وافيًا بشكر القليل من نعمه. فهل يكون ظالمًا له لو عذَّبه؟ وهل تكون رحمته له جزاء لعمله؟ ويكون العمل ثمنًا لها، مع تقصيره فيه وعدم توفيته ما ينبغي له من بذل النصيحة فيه، وكمال العبودية من الحياء، والمراقبة، والمحبة، والخشوع، وحضور القلب بين يدي اللَّه في العمل له؟ ومن علم هذا علم السر في كون إعمال الطاعات تختم بالاستغفار".

ثُمَّ ساق نحو ما تقدَّم له، وقال بعدُ: "فهذا ونحوه مما يبيِّن حقيقة الأمر وأنَّ كل أحد محتاج إلى مغفرة اللَّه ورحمته، وأنه لا سبيل إلى النجاة بدون مغفرته ورحمته أصلاً".

ومن أراد تمام الأجوبة فعليه بالكتاب المذكور، ضاعف اللَّه لمؤلفه الأجور (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015