أظنكم قد رتبتم مقاتلتكم في أماكن مختفين بالسلاح حتى إذا دخل من أصحابي من يمكنكم أن تطبقوا عليه وتقتلوه فعلتم ذلك. فحلف له بعضهم من أهل الرأي الضعيف أنه ما بقي بالمدينة من يحمل سلاحاً، وفيه بطش، فكشفهم نقفور عند ذلك، فعند ذلك قال لهم: انصرفوا اليوم واخرجوا إلي غداً، فانصرفوا.
وقال نقفور لأصحابه: قد علمتم أنه ما بقي عندهم من يدفع، فطوفوا الليلة بالأسوار ومعكم الآلة، فأي موضع رأيتموه ممكناً فتسوررا إليه، فإنكم تملكون الموضع.
فطافوا، وكتموا أمرهم، وأبصروا أقصر سور فيها مما يلي الميدان بباب قنسرين، فركبوه، وتجمعوا عليه، وكان وقت السحر، وصاحوا، ودخلوا المدينة.
وقيل: إن أهل حلب قاتلوا، من وراء السور، فقتل جماعة من الروم بالحجارة والمقالع، وسقطت ثلمة من السور على قوم من أهل حلب فقتلتهم. وطمع الروم فيها فأكبوا عليها، ودفعهم الحلبيون عنها فلما جنهم الليل اجتمع عليها المسلمون، فبنوها، فأصبحوا وقد فرغت، فعلوا عليها وكبروا، فبعد الروم عن المدينة إلى جبل جوشن.
فمضى رجالة الشرط وعوام الناس إلى منازل الناس، وخانات التجار، لينهبوها. فاشتغل شيوخ البلد عن حفظ السور، ولحقوا منازلهم، فرأى الروم السور خالياً، فتجاسروا، ونصبوا السلالم على السور، وهدموا بعض الأبدان، ودخلوا المدينة من جهة برج الغنم، ليلة الثلاثاء لثمان بقين من ذي القعدة من سنة إحدى وخمسين. وقيل: يوم الثلاثاء آخر ذي القعدة، في السحر.
وأخذ الدمستق منها خلقاً من النساء والأطفال، وقتل معظهم الرجال، ولم يسلم منه إلا من اعتصم بالقلعة من العلويين، والهاشميين والكتاب، وأرباب الأموال. ولم يكن على القلعة يومئذ سور عامر فإنها كانت قد تهدمت، وبقي رسومها. فجعل المسلمون الأكف والبراذع بين أيديهم.