واتصل خبره بسيف الدولة فعلم أنه لا يطيقه مع بعد جمهور العسكر عنه، فخرج إلى ظاهر حلب وجمع الحلبيين وقال لهم: عساكر الروم تصل اليوم، وعسكري قد خالفها، والصواب أن تغلقوا أبواب المدينة، وتحفظوها، وأمضي أنا ألتقي عسكري، وأعود إليكم وأكون من ظاهر البلد، وأنتم من باطنه، فلا يكون دون الظفر بالروم شيء.
فأبى عامة الحلبيين وغوغاؤهم، وقالوا: لا تحرمنا أيها الأمير، الجهاد، وقد كلن فينا من يعجز عن المسير إلى بلد الروم للغزو، وقد قربت علينا المسافة. فلما رأى امتناعهم عليه، قال لهم: اثبتوا فإني معكم.
وكان سيف الدولة على بانقوسا، ووردت عساكر الروم إلى الهزازة، فالتقوا فانهزم الحلبيون، وقتل وأسر منهم جماعة كثيرة، وقتل أبو داود بن حمدان، وأبو محمد الفياضي كاتب سيف الدولة، وبشرى الصغير غلام سيف الدولة، وكان أسند الحرب ذلك اليوم إليه، وجعله تحت لوائه.
ومات في باب المدينة المعروف بباب اليهود ناس كثير لفرط الزحمة. وكان سيف الدولة راكباً على فرس له يعرف بالفحى، فانهزم مشرقاً حتى بعد عن حلب. ثم انحرف إلى قنسرين فبات بها.
وأقام الروم على ظاهر البلدة أربعة أيام محاصرين لها فخرج شيوخ حلب إلى نقفور يسألونه أن يهب لهم البلد، فقال لهم: تسلمون إلي ابن
حمدان. فحلفوا أن ابن حمدان ما هو في البلد. فلما علم أن سيف الدولة غائب عنها طمع فيها وحاصرها. وقيل: إن نقفور خرج إليه شيوخ حلب باستدعاء منه لهم، يوم الأثنين الثاني والعشرين من ذي القعدة من السنة. وكان نزوله على المدينة، يوم السبت العشرين من ذي القعدة. وجرى بينه وبينهم خطاب آخره على أن يؤمنهم، ويحملوا إليه مالاً، ويمكنوا عسكره أن يدخل من باب ويخرج من آخر، وينصرف عنهم عن مقدرة. فقالوا له: تمهلنا الليلة حتى نتشاور، ونخرج غداً بالجواب ففعل، ومضوا، وتحدثوا، وخرجوا بكرة الثلاثاء إليه، فأجابوه إلى ما طلب. فقال لهم نقفور: