إلى أن سلمها من بها بعد أن عذب صاحبها أشد العذاب، واشترطوا إطلاق صاحبها، في يوم الأحد خامس عشر شهر ربيع الأول من سنة ست وثمانين.
وأما بقية الفرنج، فإن ملكهم كان وعده السلطان أنه متى سلم عسقلان أطلقه، فاتفق أنه أطلقه بأنطرسوس، حين فتح تلك الناحية، واشترط عليه أن لا يشهر في وجهه سيفاً أبداً، فنكث، واتفق مع المركيس صاحب صور وعسكراً مع جموع الفرنج على باب صور. واتفق بينهم وبين المسلمين حروب وغارات كانت النكاية فيها سجالاً بين الفريقين، بحيث تحاجز الفريقان في آخر تلك الأيام من جمادى الآخرة من هذه السنة.
وسار الفرنج إلى حصار عكا، فنزلوا عليها في يوم الأربعاء ثامن شهر رجب. وسار السلطان فنزل عليهم بظاهر عكا، ومنعهم من الإحاطة بسورها فكان نازلاً على قطعة منها تلي الشمال، ومعه الباب الشمالي من عكا مفتوحاً والمسلمون يدخلون إليها ويخرجون، والفرنج على الجانب الجنوبي، وقد أغلق في وجوههم الباب المعروف بباب عين البقر، وكان الفرنج يقومون بمحارب المسلمين، من جانب المدينة ومن جانب العسكر.
وجرت بينهم وبين الفرنج وقعات متعددة، من أعظمها وقعة اتفقت يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان، خرج الفرنج واصطفوا على تعبئة القتال، والملك في القلب وبين يديه الإنجيل، فوقف المسلمون أيضاً على تعبئة، وتحركت ميسرة الفرنج على ميمنة المسلمين، وفيها الملك المظفر، فتراجع عنهم، وأمده السلطان بأطلاب عدة من القلب، فخف القلب، وعادت ميسرة الفرنج فطمعت فيه فحملوا على القلب، فانكسر، وانكسر معه معظم الميمنة، وبلغت هزيمتهم إلى الأقحوانة، ومنهم من دخل دمشق.
ووصل الفرنج إلى خيم السلطان، فقتلوا ذلك اليوم أبا علي الحسين بن عبد الله بن رواحة. وكان قد مدح النبي صلى الله عليه وسلم ووقف بإزاء قبره، وأنشد قصيدته.