الجسرين تحت المركز، ورأى أن يسفحه، فسفحه السلطان الملك الظاهر بعده، وكتب عليه اسمه بالسواد إلى أن غاب في أيام ابنه الملك العزيز فجدد، وزالت الكتابة، وبقي بعضها.
ووصل رسول الخليفة شيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم بن إسماعيل، إلى السلطان الملك الناصر، في الإصلاح بينه وبين عز الدين صاحب الموصل وورد معه في الموصل القاضي محيي الدين أبو حامد بن الشهرزوري، الذي كان قاضي حلب ثم تولى قضاء الموصل، القاضي بهاء الدين أبو المحاسن بن شداد، الذي صار قاضي عسكر السلطان الملك الناصر، وولي قضاء حلب في أيام ابنه الملك الظاهر. ولم يتفق الصلح بينهما.
وحضرني حكاية جرت لشيخ الشيوخ مع محي الدين، في هذه السفرة، وذلك أن شيخ الشيوخ كان قد وصل إلى السلطان الملك الناصر، وهو محاصر للموصل، ليصلح بينه وبين عز الدين، في المحاصرة الأولى، فلم يتفق الصلح، واتهم أهل الموصل شيخ الشيوخ بالميل مع الملك الناصر، فعمل محيي الدين فيه أبياتاً منها:
بعثت رسولاً أم بعثت محرضاً ... على القتل تستجلي القتال وتستحلي؟
وقال فيها مخاطباً للإمام الناصر:
فلا تغترر منه بفضل تنمس ... فما هكذا كان الجنيد ولا الشبلي
فبلغت الأبيات شيخ الشيوخ.
فلما اجتمعا في هذه السفرة وتباسطا، قال له شيخ الشيوخ: كيف تلك الأبيات التي عملتها في. فغالطه عنها، فأقسم عليه بالله أن يتشده إياها، فذكرها له، حتى أنشده البيت الذي ذكرناه أولاً، فقال: والله لقد ظلمتني، وإنني والله، اجتهدت في الإصلاح فما اتفق، فأنشده تمامها، حتى بلغ إلى قوله: فما هكذا كان الجنيد ولا الشبلي. فقال: والله لقد صدقت، فما هكذا كان الجنيد ولا الشبلي، أدور على أبواب الملوك من باب هذا إلى باب هذا.