عبد القاهر بن الموصول وكان أبو الفضل حسن السيرة جواداً كثير المعروف والصدقات. ووافق ذلك شدة الغلاء والجوع بحلب، حتى أكلوا الميتات، فأخرج غلة كثيرة، وتصدق بها على الناس وقيل: إنه كان يخرج في كل سنة صدقة وبرا ثلاثة آلاف مكوك غلة سوى ما يطلقه لمن يسأله معونته من الوفود والضيوف، وغير ما يطلقه من العين والورق وغير ما كان يعتمد من افتكاك الأسرى من المسلمين.
وفيها قتل الملك رضوان رئيس حلب بركات بن فارس الفوعي المعروف بالمجن، وكان هذا المجن أولا من جملة اللصوص الشطار وقطاع الطريق الذعار فاستتابه قسيم الدولة أن سنقر، وولاه رئاسة حلب لشهامته وكفايته ومعرفته بالمفسدين، وكان في حال اللصوصية يصلي العشاء الآخرة بالفوعة، ويسري إلى حلب ويسرق منها شيئاً ويخرج، ويصلي الفجر بالفوعة فإذا اتهم بالسرقة أحضر من يشهد له أنه صلى العشاء بالفوعة والصبح فيبرئونه.
واستمر على رئاسة حلب في أيام قسيم الدولة وأيام تاج الدولة وبعده في أيام رضوان، وامتدت يده وحكم على القضاة والوزراء ومن دونهم، وهو الذي قتل الوزير أبا نصر بن النحاس في أيام قسيم الدولة.
وبلغني أنه حنق عليه بسبب حضر أراد شراءها فاشتراها المجن، فشق على أبي نصر، فسيرها المجن إليه، فردها عليه أبو نصر، وتكلم في حقه بكلام قبيح فحنق بسببها على ابن النحاس، فاعتقله بعد ذلك عنده وخنقه.
وكان كثير السعاية في قتل النفوس وسفك الدماء وأخذ الأموال وارتكاب الظلم، فعصى على الملك رضوان، ثم ضعف واختفى بعد أن حصر رضوان في قلعة حلب في سنة تسعين وأربعمائة.
فأمر رضوان منادياً نادى بالقلعة بأن الملك قد ولى رئاسة حلب صاعد بن بديع فانقلب الأحداث عنه لبغضهم إياه، ومضوا إلى صاعد فاختفى المجن، ثم ظهر عليه فعجل الله المكافأة له على قبيح فعله.