وأكل الفرنج بأنطاكية الميتات والدواب، فخرجوا من أنطاكية يوم الاثنين السادس والعشرين من شهر رجب.
فأشار وثاب بن محمود أن يمنعوا من الخروج، وأشار بعض الأمراء أن لا يمكنوا من الخروج بأجمعهم ويقتلوا أولاً فأولاً، فلم يعرج المسلمون على شيء من: ذلك لأنهم أيقنوا بالظفر بالفرنج، وخرجوا بأجمعهم في خلق عظيم، وعاث التركمان في العسكر فانهزم، وتوهم الفرنج أن ذلك مكيدة
فتوقفوا عن تبعهم، فكان ذلك سبباً لسلامة من أراد الله سلامته، ولم يبق غير كربوقا ومعه أكثر عسكره، فأحرق سرادقه وخيامه وانهزم نحو حلب.
وقتل من المطوعة والغلمان والسوقة خلق كثير، ولم يقتل مذكور، ونهب من المسلمين من الآلات والخيام والكراع والغلات ما لا يحصى، ومن انقطع من العسكر نهبه الأرمن وعاد الفرنج إلى قلعة أنطاكية، وبها أحمد بن مروان، فراسله الفرنج وأمنوه، ومن كان معه، وسلمها إليهم يوم الأحد الثاني من شعبان من السنة، وأنزلوه في دار بأنطاكية، وأطلقوا أصحابه وسيروا معهم من يوصلهم إلى أعمال حلب، فخرج الأرمن فأخذوا بعضهم وقتلوا بعضهم، ولم يسلم منهم إلا القليل.
ولما وصل كربوقا إلى حلب خرج إليه الملك رضوان، وحمل له خياماً وغيرها، ورحل عنها وعاد عسكر دمشق إليها وتفرقت العساكر.
وبعد أيام من هذه الوقعة خرج جماعة من الفرنج في شعبان، وزحفوا مع أهل تلمنس وجميع نصارى بلد المعرة على المعرة وقاتلوها، فوصلت قطعة من عسكر حلب إليهم، فالتقوا بين تل منس والمعرة، فانهزم الفرنج وبقي الرجالة منهم، فقتل منهم زائداً عن ألف رجل، وحملت رؤوسهم إلى معرة النعمان.
وفي هذه السنة وهي سنة إحدى وتسعين في جمادى الأولى عزل الملك رضوان وزيره أبا النجم هبة الله بن محمد بن بديع، وولى وزارته أبا الفضل هبة بن