وقد قرر ولاية حلب، وولى بقلعتها نوحاً التركي، وبلغه عصيان تكش بترمذ فسار السلطان، وقطع ما بين حلب ونيسابور في عشرة أيام، وعاد منكفئاً إلى الجزيرة وقد قرر ولاية حلب لقسيم الدولة أق سنقر التركي في سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وجعل معه أربعة ألاف فارس ومكنه فيها.
وقيل إنه مملوك لملكشاه، وقيل إنه لصيق وإن اسم أبيه النعمان، وولى على جمع المال بحلب في الديوان تاج الرؤساء أبا منصور بن الخلال
الرحبي وقال شاعر حلبي فيه وفي الوزير ابن النحاس:
قد زنجر العيش على الناس ... ما بين خلال ونحاس
فأحسن قسيم الدولة في حلب السيرة وأجمل السياسة وأقام الهيبة وأفنى قطاع الطريق، وتتبع الذعار في كل موضع فاستأصل شأفتهم.
وعمرت حلب في أيامه بسبب ذلك لورود التجار والجلابين إليها من كل مكان.
وحكى لي والدي رحمه الله: أنه استأصل أرباب الفساد إلى حد بلغ به أن نادي في قرى حلب وضياعها أن لا يغلق أحد بابه، وأن يتركوا آلاتهم التي للحرث في البقاع في الليل والنهار فخرج متصيداً فمر على فلاح وقد فرغ من عمله، وأخذ آلة الحرث معه إلى منزله، فانفرد من عسكره وقال له: ألم تسمع مناداة قسيم الدولة بأن لا يرفع أحد من أهل القرى شيئاً من آلة الحرث فقال: بلى والله حفظ الله قسيم الدولة والله لقد أمنا في أيامه من كل ذاعر ومفسد، وما رفعت هذا خوفاً عليها ممن يأخذها، وإنما ههنا دويبة يقال لها ابن آوى إذا تركنا هذه العدة ههنا جاءت وأكلت هذه الجلود التي عليها.
فلما عاد قسيم الدولة أمر بالصيادين وبثهم في أقطار بلد حلب لصيد بنات آوى حتى أفنوها من ضواحي حلب وكان ذلك سبباً لقلتها في بلد حلب إلى يومنا هذا، دون غيرها من البلاد.
وفي أيام قسيم الدولة جدد عمارة منارة حلب الموجودة في زماننا هذا، وجددت في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.